علي بن سالم الرواحي*
الآية الحادية عشرة من الجزء الرابع والعشرين:( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت ـ 11).

التفسير الإجمالي للآية:
خلق الله سبحانه الأرض في يومين، ثم دحا الأرض وكوّن الجبال عن طريق الحمم المنصهرة الاتية من باطنها، فجمدت على سطحها، وكوّن البحار عن طريق المياه الآتية من باطنها، فصارت على سطحها، وخلق الأرض وأقواتها وقدر أقواتها كل ذلك في أربعة أيام، ثم خلق السماء من نجوم وكواكب في يومين، فكانت مدة خلق الكون كله في ستة أيام، وقد صرّح القرآن بذلك، ولا يقال تمّ خلقه في ثمانية أيام، والله قادر أن يخلقه في لحظة، لكن جعله كذلك لحكمة ربانية منها تعليم الخلائق التأني في الأفعال، ومنها إقدار الخلق على دراسة الكون، ليتوصلوا به إلى خالقهم وإلههم الحق.

ويرى الدكتور زغلول النجار - وهو الصحيح عندي - أن خلق السموات والأرض كان في يومين، أي مرحلتين زمنيتين، وأن خلق عناصر الأرض كان في أربعة أيام، أي: أربع مراحل زمنية، وإليه أشار سبحانه بقوله:(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا، أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا، وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) (النازعات 30 ـ 33)، فأخرج بدحيها نظامها الجوي والمائي والصخري ثم الحيوي، ثم عمد عمدًا خالصًا - من غيره - إلى السماء، وكانت دخانًا، فحوّله إلى نار على شكل النجوم والمجرات، ومنها ما برد فشكّل الكواكب والأقمار والكويكبات، وذلك تحت تأثير قدرته سبحانه على السماء والأرض، ومعنى (ائتيا) أي: ائت يا أرض كمهاد للسماء، وائت يا سماء كسقف للأرض، وهو واقع لا محالة شئتما أم أبيتما، وكان خيارهما الطاعة لا الإباء حيث لا مفر من ذلك.

محل الإشكال:

1 - (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ).

2 - (وهي دخان).

3 - (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ).

4 - (ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا).

سبب الإشكال:

1 - هل خلق الأرض سابق على خلق السماء؟ مع أن الله يقول:(إن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقاهما).

2 - (وهي دخان) كيف يصير الدخان نارًا مع أن الدخان كما هو معلوم متولد من النار.

3 - من المعلوم أن خلق الأرض سابق على خلق السماء فكيف ينظمهما الله معًا بقوله هذا خاصة إذا كان الأمر بمعنى خلقهما.

4 - هل للسماء والأرض إرادة حتى يخيرهما سبحانه، وهما جماد.

حل الإشكال:

1 - ظاهر الآية مع الأخذ بـ(ثم) كمهلة زمنية أن الأرض سبقت السماء في الوجود، لكن ما قال الدكتور زغلول النجار خلاف ذلك، قال لا معنى للزمن عند الله، فهو يؤخر ما يتقدّم والعكس، حيث هو خالق الزمان والمكان، وأنه تعالى خلق الأرض والسماء معًا في يومين، أي على مرحلتين زمنيتين، وبالتالي تُؤْخَذ (ثم) في الآية كمهلة في الأهمية، أي: أن ما بعدها أهم عما قبلها، ويؤيد ذلك أن السماء تشتمل على كواكب أخرى شبيهة بالأرض، فلا ريب أنها وُجِدت وقت وجود الأرض، كذلك آية الفتق بعد الرتق، وهي نظرية الانفجار الكوني العظيم من نقطة العدم إلى الكون الواسع الفسيح.

2 - أن الله لا يغلبه شيء، فخالق الطبيعة قادر على خرقها، كحال معجزات أنبيائه، لكن يُعنى بالدخان الغاز، ومعروف أن الغاز قد يشتعل ويولًّد نارًا، كغاز الميثان المستعمل في الطهي، فلا غرابة ولا خرق في الطبيعة.

3 - سلمنا الأمر أن خلق السماوات والأرض كان في وقت واحد، فزال الإشكال في الآية.

4 - الله تعالى قادر على إنطاق الجماد، ولو على الأقل بلسان الحال، وتفعيل الإرادة فيه، فزال الإشكال.

* كاتب عماني