في الوقت الذي تُجاهد فيه جميع دول العالم لتجاوز الآثار الكارثية والتخفيف من وطأتها على جميع المستويات، لا تزال الآرقام المُسجَّلة عن حالات الإصابة والوفاة لافتةً بعد الانتشار الكبير والسريع لمتحوِّرات فيروس كورونا الأصلي "كوفيد19"، ولا تزال مبعث قلق وتوجُّس كبيريْنِ من العودة إلى إجراءات أشدَّ قسرًا وقسوة لتقليل أعداد المصابين والمتوفين نتيجة هذا الفيروس الذي لا يُرى بالعين المجرَّدة، ويواصل بعث الحَيْرة ومشاعر القلق والخوف والتوجُّس، سواء من قِبل العلماء والباحثين العلميين والاستشاريين في مجال الطب والصحة العامة، أو من قِبل الحكومات التي لا تريد أن تعود إلى المربَّع الأوَّل بعد كُلِّ الجهود التي بذلتها ـ ولا تزال ـ لتدارك الخسائر، وتكبيد اقتصاداتها فواتير مضاعفة وأكبر عمَّا تكبَّدته أثناء الموجتيْنِ الأولى والثانية، وما ترتب على ذلك من تداعيات صعبة وخطيرة وقاسية على أفراد المجتمعات.
اللافت أنَّ بعض الدول التي كانت سبَّاقة إلى اكتشاف اللقاحات المضادَّة لمرض فيروس "كوفيد19" والتي منها سجَّلت صفر إصابة، أخذت تشهد موجات من انتشار الوباء، وتُسجِّل حالات إصابة جديدة، بل إنَّ منها أخذت تُسجِّل أرقامًا قياسية في عدد الإصابات. فعلى سبيل المثال، سجَّلت السلطات الصحِّية الروسية الأسبوع الماضي خلال يوم واحد أكثر من عشرين ألف إصابة بفيروس كورونا، فيما تراجعت حصيلة الوفيَات اليومية الجديدة جرَّاء الوباء إلى ما تحت عتبة الـ600. وأعلنت غرفة العمليات الخاصة بمكافحة تفشِّي الفيروس التَّاجي في روسيا عن رصدها 599 وفاة و20538 إصابة جديدة بالعدوى. ونتيجة للارتفاع الحادِّ في وتيرة تفشِّي كورونا في الفترة الأخيرة فرضت السلطات الروسية التطعيم الإلزامي لبعض الفئات الاجتماعية.
المؤلم أنَّ هذه الحرب الشَّعواء التي لا يزال يَشنُّها فيروس كورونا "كوفيد19" على البشرية لم تستثنِ أحدًا، حيث أصبح الجميع في أفواه مدافع الوباء، وأضحى الضحايا يتساقطون كُلَّ يوم بيْنَ مُصابٍ ومُتَوفَّى، ومشاهد مواكب الجنائز تتوالى، ومشاهد اكتظاظ أجنحة المستشفيات وغُرف العناية المركَّزة تتزاحم أمام المتابع، ومشاهد الطواقم الطبيَّة بأَسْرها تخوض هذه المعركة وقد أخذ منها الإعياء كُلَّ مأخذ، ونالها من شرارات الوباء الكثير، فلم يُوفِّرها هذا الفيروس حتَّى لا تمنعه من مضاعفة أرقام ضحاياه.
السلطنة في هذه المعركة ليست استثناء، فالأرقام المُسجَّلة في الفترة الحالية تشهد تصاعدًا مُقلقًا، سواء في عدد الإصابات أو في عدد الوفيَات. وبعد أن كانت البلاد تُسجِّل ما يقارب ألف إصابة أو ألف إصابة ونيفًا، غدت تُسجِّل هذه الأيام الألفيْنِ والثلاثة آلاف وأكثر، وبعد أن كانت تُسجِّل من سبع إلى تسع أو عشر وفيَات، أضحت تُسجِّل نصف المئة، والمئة أو ما دون ذلك أو أكثر وهكذا، ومع هذه الأرقام تزداد الأعباء والضغوط، والآلام والأحزان في متوالية لا تريد أن تتوقف، والسؤال الذي لا يزال يبحث عن إجابة شافية هو: متى سيزول قلق هذه الأرقام المتصاعدة وإزعاجها؟ ولا رَيْب أنَّ الإجابة مرتبطة أوَّلًا بإرادة خالق هذا الكون ومُدبِّره، وبالتزام النَّاس واتِّباعهم الأسباب والإجراءات الكفيلة بالحدِّ من انتشار الوباء، والإسراع إلى أخذ التَّحصين.