■ أولي هانسن:


■ ■ شهدت تداولات قطاع السلع ارتفاعاً للأسبوع الثاني، مع مكاسب قوية للحبوب والطاقة بمعدل تجاوز حدود تعويض أسبوع آخر هادئ للمعادن الصناعية والثمينة. واتجه مؤشر بلومبيرج للسلع الأساسية نحو أفضل أسبوع له في شهرين مع ارتفاع أسعار الحبوب وعلى رأسها الذرة، بعد أن أشار تقرير أميركي إلى قلّة مساحة الأرض التي زرعها المزارعون الأميركيون مقارنة بالتوقعات في السابق. وفي مجال الطاقة، دعمت مجموعة أوبك بلس دفعة جديدة لأسعار النفط، بينما استمرّت أسعار الغاز بالارتفاع أكثر في جميع أنحاء العالم ولا سيما في أوروبا، حيث زاد التشديد من مخاطر أزمة الإمدادات الصيفية. ■ ■

ولعب ارتفاع تكاليف الطاقة دوراً في زيادة المخاوف من التضخم، وبعد الاجتماع المتشدّد للجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة في منتصف يونيو الماضي، أصبح من الصعب على البنوك المركزية الترويج للرسالة المؤقتة التي ساعدت في إحداث تصحيح كبير للذهب. وقد تساعد هذه التطورات في تفسير أسباب الارتداد الطفيف للذهب بالرغم مما يواجهه من رياح معاكسة متمثلة في قوة الدولار.
وشهدت أسواق أخرى تداولات هادئة، لترتفع أسعار الأسهم وتستأنف عائدات الخزانة انحدارها وسط تسونامي من السيولة الداعمة للأصول عالية المخاطر، مع الحفاظ على تطورات العائدات حتى أواخر أغسطس القادم على الأقل، حيث قد تظهر معطيات جديدة بعد اجتماع جاكسون هول السنوي لمحافظي البنوك المركزية. ومن هنا، يحتمل أن يكون تقرير فرص العمل في الولايات المتحدة يوم الجمعة القادم آخر تقرير يثير بعض التقلبات، قبل أن يحوّل التجار والمستثمرون اهتمامهم نحو استراحة مستحقة بعيداً عن الأسواق.
وعانى الذهب من أكبر انخفاض شهري له خلال أربع سنوات ونصف في يونيو الماضي رداً على تغير نبرة مجلس الاحتياطي الفيدرالي فيما يخصّ استعداده للسيطرة على التضخم عبر رفع أسعار الفائدة. وبينما شهدت العائدات الحقيقية تداولات هادئة حول مستوياتها قبل اجتماع اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة، ساعدت قوّة الدولار في إطلاق تصحيح خلال شهر يونيو، لكن الذهب تمكن في مطلع يوليو من العثور على عرض له بالرغم من القوة المستمرة للدولار. ويحتمل أن يكون ذلك انعكاساً لسوق عدّل فيه التجار مراكزهم بما ينسجم مع تشدد مجلس الاحتياطي الفيدرالي. كما تخضع الأسواق لضغوطات تضخّمية جراء ارتفاع تكاليف الطاقة، سواء من النفط أو الغاز الطبيعي. وبصورة نسبية، كان الارتداد سطحياً حتى الآن مع اختراق فوق 1795 دولارا، والأهم من ذلك، فإن عتبة 1815 دولارا مطلوبة لتغيير المعنويات السلبية مجدداً نحو الحيادية.

وارتفع النفط الخام قبل اجتماع أوبك بلس الشهري استجابة للمقترحات الروسية والسعودية بدعم الأسعار عبر زيادة الإنتاج بمقدار 0.4 مليون برميل يومياً بين شهري أغسطس وديسمبر القادمين، مع سياسة إدارة إمدادات من شهر أبريل 2022 وحتى نهاية العام. إلا أن هذه الزيادة كانت أقل من توقعات السوق، وفي حال تم الاتفاق عليها، ستبقى الأسواق العالمية مقيّدة بشكل مصطنع لتكفل مزيداً من دعم الأسعار خلال الأشهر المقبلة.

واتجهت الإمارات العربية المتحدة نحو رفع طاقتها الإنتاجية ودعم هذا التوجّه منذ عام 2018 حين وُضعت خطوط الأساس الفردية، وأصرّت الإمارات على رفع خطها الأساسي بمقدار 0.6 مليون برميل يومياً إلى 3.8 مليون برميل يومياً، ما يسمح لها بزيادة الإنتاج من جانب واحد ضمن النطاق الحالي. وشكّل تمديد الإجراءات الراهنة حتى نهاية عام 2022 مشكلة، حيث قد تترك 30% من استطاعة الدولة خاملة لمدة أطول من المتوقع. وقفز خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 4% تقريباً بعد أخبار عن زيادة أقل من التوقعات، وقبل تقليص المكاسب جراء اعتراض الإمارات العربية المتحدة. وبناء على حركة الأسعار، تشير التوقعات في السوق إلى احتمال التوقيع على صفقة داعمة للأسعار بعد استئناف المجموعة لاجتماعها بعد ظهر يوم الجمعة بتوقيت فيينا.

وإلى حد كبير، قاد خام غرب تكساس الوسيط الارتفاع المستمر في أسعار النفط الخام، ما دفع فارق أسعاره عن خام برنت نحو الانخفاض إلى أقل من 1.5 دولار للبرميل. وترجع الأسباب إلى التراجع المستمر والسريع في المخزونات الأميركية. وخلال الأسابيع الأربعة الماضية، تراجعت مخزونات النفط الخام الأميركية، بما فيها تلك التي تم تحريرها من الاحتياطيات الاستراتيجية، بمقدار 1.15 مليون برميل يومياً؛ وهو أكبر انخفاض مستمر لمدة أربعة أسابيع منذ عام 1982.

وتكمن المشكلة في عدم استجابة المنتجين الأميركيين، وامتناعهم عن زيادة الإنتاج بالرغم من ارتفاع الأسعار. وقد يعود ذلك جزئياً إلى المسؤولية البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات وقيود المستثمر والإقراض، إلى جانب حاجة النفط الصخري إلى أسعار مؤجلة مرتفعة، حيث تميل نسبة من إنتاجها نحو التحوّط بين ستة إلى اثني عشر شهراً. وأدت الظروف الصعبة في السوق حالياً إلى منحنى أمامي شديد الانحدار نحو الخلف، ما يعني أن تداولات خام غرب تكساس الوسيط في ديسمبر 2022 ستقترب من 11 دولارا أو 15% تحت السعر الفوري. وهو سيناريو سيفيد معظم الدول المنتجة في أوبك بلس، حيث يبيعون الغالبية العظمى من نفطهم بالسعر الفوري بدلاً من أسعار آجلة أقل انخفاضاً.

وشهدت أسعار الغاز الأوروبي ارتفاعاً أكبر في المركز الهولندي تي تي إف نحو مستويات لم تشهدها السوق منذ عام 2009. ومنذ الانهيار نحو أدنى المستويات جراء أزمة كوفيد-19 في مايو العام الماضي عند 3.6 يورو لكل ميجاوات ساعي، شهدت عقود المركز الهولندي تي تي إف للشهر الأول زيادة بمقدار عشرة أضعاف، وصولاً إلى 35 يورو لكل ميجاوات ساعي. وظهرت عدة أسباب فسّرت زيادة مخاطر وقوع أزمة إمدادات في وقت لاحق من هذا العام؛ وفي مقدّمتها: انخفاض مستويات المخزون أكثر من متوسط خمس سنوات؛ وارتفاع درجات الحرارة فوق معدلاتها في جنوب شرق أوروبا القارية؛ وشركة غازبروم تشير إلى عدم زيادة الإمدادات بعد اختيار عدم حجز سعة أكبر في خط الأنابيب الأوكراني؛ والصيانة السنوية لخطي أنابيب من روسيا إلى ألمانيا (يامال ونورد ستريم 1) خلال شهر يوليو الجاري؛ ووصول القليل من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا نظراً لارتفاع أسعاره في آسيا؛ والانقطاعات المجدولة وغير المخطط لها، والتي تؤثر على إمدادات الغاز النرويجي إلى أوروبا.

وتتمثل إحدى الآثار الجانبية في ارتفاع أسعار الفحم والكربون. وإضافة لذلك، وصلت عقود الغاز المتداولة في المركز الهولندي لشتاء 2021 حتى صيف 2022 إلى رقم قياسي تجاوز 12 يورو لكل ميجاوات ساعي، وسط توقعات باستمرار الإمدادات الضيقة حتى شهر الشتاء، مع احتمالية محدودة لدفعة قد تتلقاها مستويات التخزين قبل ذلك الحين.

رئيس استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك