د. يوسف بن علي المُلَّا:
ممَّا لا شك فيه أن الجميع يتابع السلالات التي تتحوَّر(كوفيد١٩) بشكل أسرع، ولكن ليس بالضرورة أن يكون لديها حافز للقتل أكثر من مرة. ولعلَّنا حتى الآن أدركنا كيف أن هذا الفيروس سيحاول دائمًا زيادة قابليته للانتقال إذا كان بإمكانه ذلك. ومع ذلك، يصعب التنبؤ حقيقة بالجوانب الأخرى للفيروس المتحوِّر، بل الواضح ومن خلال المتابعة ـ إن لم أخطئ ـ أن الباحثين ما زالوا يفتقرون إلى التعامل الجيِّد مع المتحوِّرات التي قد تسبب المزيد من حالات المرض الشديد أو الوفاة.
وعلى الرغم من أن قدرة الفيروس على الانتقال يمكن أن تزيد في بعض الأحيان من ميله إلى القتل، فإن الاثنين ليسا مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بأي حال من الأحوال: يمكن أن تتجه سلالات الفيروس كورونا المستقبلية إلى أكثر فتكًا، أو أقل، أو حتى إلى لا شيء.
ألسْتَ معي أن أغلب الناس في وسائل التواصل الاجتماعي والمتابعين، ولعلَّ المختصِّين منهم يستمر في محاولة تصنيف المتحوِّرات المحدَّدة على أنها (أكثر خطورة) أو (أكثر فتكًا)، لكن التطور الفيروسي عبارة عن فوضى عشوائية ـ قصَّة معقَّدة يجب أن نشاهدها في الوقت الفعلي، والأهم أننا لا يمكننا أن نشعر بالرضا ونقول: يا الله هل هذه نهاية الطفرات؟!
وكما ذكرنا في مقال سابق، طالما أن الفيروس لديه مضيف للعدوى والذي هو نحن، فسوف يستمر في تغيير شكله بطرق لا يمكننا التنبؤ بها بشكل كامل. وهنا الأدعى أن نتأمل دورنا نحن البشر في هذه العلاقة: ربَّما ما يمكن للفيروس أن يحققه يعتمد أيضًا كثيرًا علينا، ممَّا يعني أن تطوَّره كذلك... أوَليس ذلك بصحيح؟
فهذه الفيروسات ـ كما تعلَّمنا ـ كائنات مجهرية، ومتعطشة للانتشار وليس المذابح. فمعاناة مضيفهم ليست حتمية بالنسبة لهم للاستمرار. وبشكل هزلي باعث على القلق، فإن متحوِّرات كورونا لا تقتل الناس قبل أن تتمكن من نقله إلى شخص آخر! وها نحن قد رأينا كيف أن سلالات كَـ"أَلْفا" و"دلتا" يقودان باستمرار المزيد من الأمراض، والتنويم بالمستشفيات بل والموت، وهكذا كان جليًّا أنَّها ساعدت على أن تستحق كل ذلك الاهتمام.
ومن هنا يبدو أن فيروس كورونا (كوفيد١٩) حتمًا سيكون مختلفًا في المستقبل. والأهم ربَّما أن علاقتنا بالفيروس لن تتوقَّف فقط على خواصه الجينية، بل يمكننا أن نتوقع أن الدفاعات المناعية، التي نرفعها ضده، ستشكل مساره التطوري أيضًا. وبات حقًّا أن نأمل أنه مع تزايد اللقاحات في أجزاء كثيرة من العالم، وقلَّة البُؤر التي تنقل العدوى، بدأ الفيروس يصطدم بحواجز الطرق وينتشر ببطء. لذلك ومن خلال التطعيم، فإننا نجعل من غير المرجَّح ظهور متحوِّرات جديدة بمشيئة الله. والواقع يقول إنه في النهاية، ومع بناء دفاعاتنا الجماعية، قد لا يصبح فيروس كورونا مصدر إزعاج أكثر من فيروس كورونا للزكام، مسبِّبًا فقط أعراضًا عابرة وغير مُهمَّة في معظم الأشخاص، والذين شهدت أجسامهم نسخة من العامل الممرض من قبل.
ومع ذلك، يجب أن نكون أيضًا واقعيين، فلقد انتهى نصف العام، لكن عدد المصابين والوفاة بسبب فيروس كورونا في عام ٢٠٢١ أكثر منه من عام٢٠٢٠، ولا تزال هناك سلالات متحوِّرة جديدة ربَّما في طور الظهور. وأجزم حقيقة هنا، أنه في فترة ليست طويلة جدًّا، سيكون كلُّ شخص على مستوى العالم إما قد تم تطعيمه أو أصيب بالفيروس، ولعلِّي لا أريد أن أراهن على أن لدينا أكثر من عام! ناهيك أنه إذا حدث وما أصيب الشخص المطعَّم، فقد يحتاج إلى حقن معزِّزة قريبا.
ومن هنا، بات حريًّا بنا الاستعداد للمستقبل والحصول بل وطلب كميَّات إضافية للقاح من الآن بحيث تغطِّي أيضًا التحصين المعزَّز. في غضون ذلك، يجب علينا أخذ تدابير أخرى يمكنها السيطرة على "كوفيد19"، ولكن لم يتم استخدامها بشكل كافٍ كتحسين التهوية، والاختبارات السريعة على نطاق واسع، وكمامات الوجْه الأفضل. وقد رأينا دور وزارة الصحَّة هنا في السلطنة الكبير والرائع عندما أوجدت نموذج الاتصال الذكي، وتتبعها لحالات كورونا كخير مثال على التدابير المُهمَّة في هكذا جائحة.
ختامًا، لعلَّك قد انتبهت معي، أنه عندما قرَّرت منظمة الصحَّة العالمية تسمية السلالات المتحوِّرة لكورونا بالأبجدية اليونانية، فقد أوجد ذلك انطباعًا أنه، في مرحلة ما، من المحتمل أن نتعامل مع أحد أشكال المتحوِّرات كأوميجا؛ ولذلك ستحدّد قراراتنا الآن ما إذا كان هذا الاسم الشرس ـ إن صحَّ لي القول ـ سيكون مصحوبًا بخصائص شرِّيرة بنفس القدر، أو ما إذا كانت أوميجا ستكون مجرَّد مشهد غير ملحوظ أثناء ختام هذا الوباء!

طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي