[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
ستظل الخدمات الصحية في بلادنا – مثلما هي كذلك في أية دولة أخرى - من بين أهم المؤشرات التي يقاس بها مدى حجم الرضا الاجتماعي من عدمه، وكذلك مقياس لنجاح أو فشل التنمية الاجتماعية، لماذا ؟ لأنها تتعلق أساسا بحق الإنسان في الحياة في ضوء انتشار أمراض كثيرة تمس هذا الحق مباشرة ، وتجعل الإنسان في قلق دائم ، من هنا، فهو يتطلع أي الانسان لتوفير كل الضمانات اللازمة لحمايته أو علاجه فورا منها وفي مسقط رأسه ، وهذا بعد فسيولوجي ضاغط يشكل الدافع وراء أي استياء أو سخط من نقص الخدمات الصحية ، وبالذات في المناطق البعيدة عن مركز الخدمات الطبية المتقدمة كمحافظتي ظفار ومسندم ،وقد رصدنا الاسبوع الماضي خطوتين مهمتين جدا ، تعززان ذلك الحق مراعاة لمجموعة ظروف منها البعد الجغرافي ونقص الكادر الطبي لأسباب عديدة .
الخطوة الأولى، افتتاح مركز القلب والرنين المغناطيسي بمستشفى السلطان قابوس بصلالة، والبدء بإجراء أولى عمليات القسطرة للمرضى، ومنذ افتتاحه، وفي كل يوم لا يقل عن أربع الى خمس عمليات قسطرة، علما بأن إمكانية المركز إجراء ست عمليات في اليوم، وقد وصل عدد العلميات منذ افتتاح المركز وحتى امس اي مدة اسبوع واحدة فقط (15) عملية، منها اثنتان تم زراعة دعامتين بعد ان كشف التشخيص عجز احدهما بنسبة (100%) مما لجأ الفريق الطبي بقيادة الدكتور محمد المخيني الى فتح القلب بنسبة (90%) وقد زرنا المركز أمس الاحد، واطلعنا على إمكانياته ومدى جاهزية الكادر الطبي، وكذلك اطلعنا على حجم الحاجة المجتمعية الكبيرة لهذا المركز، فوجدنا ما بين (80- 85) حالة مرضية من فئة الكبار يزورون قسم العيادة القلبية للكبار يوميا، وأكثر من (10) أطفال يزورون قسم العيادة القلبية للأطفال يوميا، هذا ما عدا كل اثنين المخصص للعلميات ، كما وجدنا (25) مرضيا منوما في الطابق الثاني المخصص للترقيد، وهذا العدد الكبير يعكس الأهمية المجتمعية والإنسانية لهذا المركز في ظل تزايد مرضى القلب من المواطنين في محافظة ظفار، وقد كانت زيارتنا للمركز تحت ضغط تساؤل ملح حول مصير الحالات المرضية التي أجريت لها عمليات قسطرة ودعامات، ومدى مقدرة الكادر الطبي إجراء مثل هذه العلميات، فوجدنا أن المرضى الذين يخضعون لعملية القسطرة يغادرون فورا الى منازلهم ، ما عدا اولئك الذين تتطلب حالتهم الصحية زراعة دعامات فإنهم يتنومون ليلة للزوم اغلاق فتحة العلمية أو أكثر حسب تاريخ مرضهم، وهذا يحدث وفق ما هو سائد في بقية كبرى مستشفيات البلاد، وعلى عكس ما هو سائد عند البعض المواطنين ، فقد وجدنا هناك كادر طبي دائم ومتخصص في المستشفى يتولى القيام بهذه المهمة يوميا بالاستعانة مع خبرة عمانية عالمية المستوى يتم انتدابها من احدى مستشفيات المركزية الحكومية في مسقط ، وقد عمل هذا الكادر من اطباء وممرضين .. فترة من الزمن تقدر بستة اشهر في المستشفى السلطاني حتى يكون جاهزا للتعامل مع احدث تقنيات القسطرة والرنين المغناطسي ، وقد التقينا ببعض المرضى ، ولمسنا الرضا عن نتائج العلميات التي اجريت لهم، لعلنا نذكر هنا بما قاله الشيخ سالم بن مسعود الزيدي اول الذين أجريت لهم عمليات القسطرة بالمركز: كنت على ثقة بكفاءة الكادر الطبي فيه، وقررت القيام بالعملية بدون تردد. وزادت ثقتي لما التقيت مع الفريق الطبي وبعد نجاح العملية دعا الزيدي مرضى القلب إلى العلاج في المركز وعدم التردد في ذلك نظرا لجودة خدماته العلاجية، وذات الأمر قاله الشيخ سالم بن محاد جعبوب الذي أجريت له عملية قسطرة ايضا، حيث اوضح انه جاء الى المركز لإجراء بعض الفحوصات ولكن اتضح انه يحتاج الى عملية فأجراها بعد اقتناع وكانت عملية سهلة، واستدلالنا بهذه الشهادات حتى نعطي لهذا التطور حقه من الاعتبار، وحتى لا تسقط الصورة السلبية التراكمية على هذا الانجاز المهم ، فهو نقلة صحية نوعية مهمة تأتي لحل مشاكل كثيرة ناجمة عن تمركز هذا النوع من الخدمات الصحية مركزيا، حيث كان المواطنون ينتظرونها شهورا حتى تأتيهم الموافقة لتحويلهم الى مسقط ، وبعضهم كانت حالتهم تتدهور قبل أن يأتي موعدهم ، أما الان ، فبإمكانهم تلقي نفس الخدمة وبنفس الجودة وهم في مسقط رأسهم .
الخطوة الثانية ، تكمن في تدوير الكفاءات الطبية بين مستشفيات البلاد خاصة تلك البعيدة جغرافيا، وقد رصدناها في مستشفى السلطان قابوس بصلالة، حيث يتم انتداب كبار الاطباء من استشاريين واخصائيين معروفين ومشهورين في مستشفيات السلطاني وخولة لمدة أسبوع لتشخيص وعلاج الحالات المرضية في صلالة، ففي كل اسبوع يكون في مستشفى السلطان قابوس طبيب أو أكثر ممن يتمنى اي مريض مقابلته أو علاجه في مسقط ، وقد تحدثنا سابقا عن الدكتور المخيني ، وسوف يزور الاسبوع الحالي الدكتور عبدالله الريامي وكذلك محمد الريامي .. الخ وهذا تطور ايضا يتعاظم الاشادة به ،كفكر وممارسة ، لأنه يكسر التقليدية ويحطم الجمود الناجمان عن عدم امكانية التعاقد مع اطباء كبار في العالم أما لندرتهم أو لسقفهم المالي الكبير، ويجعلنا نقدمهما كنموذج للديناميكية الفكرية التي تتفاعل مع الظروف بإيجابية الابتكار وليس بجمود الحجج رغم موضوعيتها ، فلماذا لم تحدث سابقا ؟ وكيف حدثت الان ؟ وقد اطلعنا على عمليات جراحية ناجحة اجريت محليا لمرضى انزلاق الغضروف مثلا ما كانت تجرى الا في مستشفى خولة أو الخارج بعد ان تم تبني عملية تدوير الكفاءات الطبية كل اسبوع ، وبعضها من الشخصيات المحلية البارزة والمقتدرة ماليا ، وهذا كذلك استدلال أخر يدعم هذا التطور ، وهناك حالات منومة تنتظر مثل هذه الزيارات الاسبوعية ، علما بان العمليات الجراحية كما افاد به لنا مصدر طبي مسئول يقوم بها اطباء دائمين ، لكن بإشراف الاطباء الزائرين من مسقط ، وهذا سوف يكسر الحاجز النفسي .. ويعزز الثقة ، وكسر الحاجز وتعزيز الثقة ، هما الذين دفعا بنا الى فتح هذه القضية من منظور الاشادة بالتطور ، لأنه فعلا يتطلب منا ذلك وفق ما سبق ذكره ، ولأننا نخشى أن لا يأخذ مساحة ضوء كافية بسبب حالة التشاؤم التراكمية ، مما قد يفوت المرضى على انفسهم فرص التشخيص ومن ثم العلاج المبكر محليا ، ومما قد يستمروا في استنزاف مواردهم المالية طلبا لنفس الخدمة في الخارج رغم توفرها وبنفس الجودة في مسقط رأسهم ، والتي بسببها اي تلك الحالة قد تحجب رؤية النجاح الجديد ، وهذا ما دفع بنا الى تسليط الضوء على الولادة الناجحة ، وذكر تفاصيل نجاحها ، لأن قضية الشرايين متعاظمة يوميا ، ولا يكاد يمر يوميا الا ونسمع عن سقوط مواطنين ووافدين بالشرايين .. ويقلق المريض واهاليهم على ما بعد هذا السقوط، فكيف يشخصون الحالات ؟ وأين سيعالجونها لعد تأمينها محليا ولصعوبة احالتهم الى مسقط ؟ وقلقهم على هاتين المسألتين الأخيرتين أكبر شأنا ، وكانت من بين كبرى حالة الاستياءات ، والان ولله الحمد مؤمنة محليا ، تشخيصا وعلاجا .
ربما علينا التطلع بعد هذا التطور وما صاحبه من نجاح فوري، الى أن يتوسع مركز وحدة القلب في بقية خدماته الاخرى الاساسية، كإجراء عمليات جراحة القلب أسوة بما هو حاصل في عمليات القسطرة تشخيصا وعلاجا، فمتى سنسمع عن اطباءنا الكبار أمثال أحمد البلوشي وعادل اللواتي .. يتنقلون بين مستشفيات المحافظات .. وهناك طبعا أسماء عمانية كبيرة في المجال نفسه وفي كل المجالات .. فعملية التدوير المناطقي لهذه الكفاءات فيها حلول لمشاكل كثيرة، فهذا خيار ناجح بامتياز في ظفار، وينبغي أن يعمم، وإلا، فإن البديل سوف يكون تكريس الوضع الذي بنى منه المواطنون تشاؤمه، فقد أصبحت هناك من الاستحالة إحضار كفاءات طبية متخصصة من الخارج ، كما أن عملية التدوير سوف يكون مردودها إيجابي على الكوادر الطبية الإقليمية عندما تحتك لفترة من الزمن مع أصحاب الخبرات العمانية العالمية ، وقد تدير ذاتها بذاتها مستقبلا .