للإعلان عن بدء التحضيرات لانتخابات مجلس الشورى أكثر من معنى، لكن أهمها جميعا أنه الحدث الديمقراطي الذي تتميز به بلادنا، وهو الإيمان بالإنسان وبأنسنته وبحقوقه وبتطوير ذاته وارادته، أنها من العلامات المضيئة التي تحققت في ظل تطبيق مفاهيم ودولة المؤسسات التي أسسها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ منذ أول أعوام النهضة العمانية المعاصرة التي يقودها جلالته بنجاعة واقتدار.
في ذلك الموعد الانتخابي الذي يغبط النفس، ستحتشد الجماهيرالعمانية بكثافة كأنها في عيد. فانتخابات الشورى تمد المواطن العماني بإحساس ذاتي أنه الأصل في مفهوم الشورى، وأنه ليس مجرد رقم بل هو محور العملية الديمقراطية التي لا تكتمل إلا به ولا تقوم إلا عليه.
تجربة الشورى العمانية هي محض عمانية، ليست متأثرة بما عند الآخرين، بل منبتها وأفكارها وخليتها الأولى عمانية مائة بالمائة، من الوعي بالانتماء إلى الدين الإسلامي، الى التطبيقات الاجتماعية، وصولا الى الفكر الخاص الذي بثه جلالته في الحياة العمانية من مفاهيم لها جذورها الوطنية وأسسها المشغولة بعقل وفكر ثاقبين قادرين على إنتاج تلك الخصوصية العمانية التي لا تشبه غيرها في الوقت الذي لاتشبهها حالة. وعليه فإن الشورى العمانية بمفهومها، هي دعم الممارسة الديمقراطية في إطار نهج الشورى والمشاركة. وإذا ما ذهبنا الى يوم الانتخابات المشهود له بأنه يوم الفرح العماني، فإننا سنرى ذلك الحضور الذي يفوق الوصف، وكيف تجري الانتخابات بمناخها الديمقراطي الذي يتسم بالشفافية في ظل حياد الحكومة بين المرشحين، لكن الأبرز ان المرأة العمانية أكثر من أخذ حقوقه الطبيعية، حيث تقبل بفعالية كناخبة ومترحشة أيضا.
هذا النهج الشوروي أدى الى خلق مواطن عماني مميز في أدائه اليومي وفي حياته وفي علاقاته الاجتماعية وفي علاقاته مع دولته ومؤسساتها بشكل عام، الفكرة التي رسختها الديمقراطية العمانية، جعلت من وداعة هذا الشعب وطيبته مثلا يحتذى. ان مشهد الاستقرار في عمان كما يقول كاتب عربي يتقدم على ماعداه من المشاهد الاخرى " فلا صراعات ولا مناكفات دينية أومذهبية محمومة، لازوار الفجر ولا شرطة سرية مختبئة في طيات الظلام، لاعنف ولا إرهاب، لاعصيان ولا تمرد، ومن ثم لا قانون طوارئ ولا إجراءات أمنية استثنائية". بل جو من الأنسنة التي يتحدث عنها كل زائر لعمان، وكل مختص بقراءة الفكر العماني الراسخ منذ مطلع السبعينات، حيث وضعه السلطان قابوس المعظم، وقام الشعب العماني بقدراته المعروفة بترجمته حرفيا.
ورغم أنه لا تزال تفصلنا عن موعد الاستحقاق الانتخابي، فإن عمان كلها الرسمية والشعبية تتأهب لهذا اليوم الديمقراطي المشهود، لتذهب إليه بحب جارف بعدما تأكد لها أنه الإطار الذي رسم لها حياة تشتهيها وفيها الأمل الدائم بغد، ولعل أصعب ما يواجهه الكثير من مواطني الدول هو الغد الذي تم حله تماما في السلطنة، فصار بالنسبة للعماني هو اليوم الذي لا يخاف مجهوله بل يحن اليه دوما لأنه يحقق له مبتغاه، انه مفهوم المؤسسات التي رسخت في عقل العماني فجعلته أريحيا الى أبعد الحدود، وحين يذهب لممارسة الانتخابات الشوروية فلأنه اعتاد على ان يشعر بكينونته وبحضوره في دولة تحترم عمقه الإنساني وتشكل الحرية فيه.