ناصر بن محمد الزيدي:
إن الله الـكـريـم الـمـنـان، أنـزل الـقـرآن الـكـريـم، فـجـعـلـه نـورًا وهـدى للــذيـن آمـنـوا واتـبـعـوا سـبـيـل مـن آمـن بالله عـز وجـل عـمـل صـالحًا، وقال إنـني مـن الـمسـلـمين، وجـعـلـه شـفـاء ورحـمـة للـمـؤمـنـين قال تعالى:( ونـنـزل مـن الـقـرآن مـا هـو شـفـاء ورحـمـة للـمـؤمـنـيـن ، ولا يـزيـد الـظـالـمـين إلا خـسـارا ) (الإسـراء ـ 82).

والإيـمـان يـثـمـر الأمـانـة التي هي ضـد الخـيـانـة، ومـعـنى الإيـمـان سـكـون الـقـلـب، ولا بــد أن يتـسـم الـمـؤمـن بالـصـدق ولـو كـان في الـصـدق هـلاك نـفـسـه، فـهـو مـنـجـاة مـن الـنـار ومحـبـة للـواحـد الـقـهـار، وفي الحـديـث الـشـريـف: (لا يــزال الـعـبـد يـصـدق ويـتحـرى الـصـدق حتى يـكـتـب عـنـد الله صـديـقـًا)، قال تعالى:( يا أيها الـذين آمـنـوا اتقـوا الله وكــونـوا مـع الـصـادقـين) (الـتـوبـة ـ 119).

والإيـمـان أمـان مـن الخـوف، وأمـان مـن الـكـفـر، وأمـان مـن الـظـلـم، لأن الـعـبــد إذا آمـن بالله أمـنـه الله وصـار في أمـانـه، قال الله تعالى:( الـذين آمـنـوا ولـم يـلـبـسـوا إيـمـانـهـم بـظـلـم أولـئـك لـهـم الأمـن وهـم مـهـتـدون ) (الأنـعـام ـ 82).

وقـيـل: إن للـمـصـدق بالله مـؤمـنـًا، لأنـه لـمـا آمـن وصـدقـه اسـتـسـلـم لـه وآمـن كل مـن كـان عـلى مـثـل تـصـديـقـه، فـلـم يـستحـل مـالـه ودمـه وعـرضـه، فأمـنـه مـن كـان مـثـلـه فـيـكـون الـمـؤمـنـون بـعـضـهـم في أمـان بـعـض، ومـن ذلك قـول رسـول الله (صـلى الله عـلـيه وسـلـم) حـين سـئـل: مـن الـمـؤمـن؟ قال:(مـن أمـن جـاره بـوائـقـه)، وإذا كان الإيـمـان صـفـة للـعـبـد عـدي بالـبـاء واللام، فـقـيـل: آمـن بالله ولله، لأنـه يـرجـع إلى مـعـنى الـتـصـديـق، وإذا تكـلـم بـه في صـفـة مـن صـفـات الله، لـم تـدخـل عـلـيه اللام أو الـبـاء لأنـه يـراد به الأمـان.

وقال ابن الأثـير: في أسـمـاء الله تعالى:(الـمـؤمـن) هـو الـذي يـصـدق عـبـاده وعـده، فـهـو مـن الإيـمـان (بمـعـنى) الـتـصـديـق، أو يـؤمـنـهـم يـوم الـقـيـامـة مـن عـذابـه، فـهـو مـن الأمـان والأمـن الـذي هـو ضـد الخـوف في الـدنـيـا والآخـرة.

وقال الـقـرطـبي: الـمـؤمـن هـو الـمـصـدق لـرسـله، الــذين أيـدهـم بإظـهـار مـعـجـزا تـه عـلـيهـم، ومـصـدق الـمـؤمـنـين مـا وعـدهـم بـه مـن الـثـواب، ومـصـدق الـكـافـر ين مـا أوعـدهـم مـن الـعــقـاب، وقـيـل الـمـؤمـن الــذي يـؤمـن أولـيـاءه مـن عـذابـه، ويـؤمـن عـبـاده مـن ظـلـمه تعالى الله عـن الـظـلـم عـلـوا كـبـيرا، يـقـال أمـنـه مـن الأمـان كـمـا قال تعالى:( فـلـيـعـبـد رب هـذا الـبـيـت الـذي أطـعـمـهـم مـن جـوع ، وأمـنـهـم مـن خـوف ) (قـريـش 3 ـ 4) فـهـو مـؤمـن.

وقال بـعـض أهـل الـعـلـم مـن الـفـقـهـاء وأهـل الـحـديـث والـمتـكلـمين والـمـفـسرين وغـيرهـم: مـعـنى الإيـمان باعـتبـار عـرف الـشـرع اخـتـلـف فـيه أهـل الـقـبـلـة عـلى أربـع فـرق، الأولى: الإيـمان فـعـل الـقـلـب فـقـط، أن تصـديـق الـرسـول (صلى الله عـلـيه وسـلـم) في كل مـا جـاء بـه مـن عـنـد ربـه سـبحـانـه وتعالى، وهـو مـعـلـوم بالـضـرورة تصـديقـًا جـازمًـا مـطـلـقًـا، والـثانـية: الإيـمـان عـمـل (إقـرار) باللـسان فـقـط بـشرط حـصـول الـمـعـرفـة بالـقـلـب، فـإن لـم تحـصـل كان صـاحـب ذلك مـؤمـن الـظاهـر كـافـر الـسـريـرة، والـثالـثـة: الإيـمـان عـمـل الـقـلـب واللـسان، أي: الاعـتـقـاد الـجـازم والإقـرار بالـشـهـادتـين:(شـهـادة أن لا إلـه إلا الله وأن محـمـدًا رسـول الله) وقـد نسـب هـذا الـقـول إلى أبي حـنـيـفـة وعـامـة الـفـقـهـاء وبـعـض الـمـتـكلـمين، والـرابـعـة: الإيـمـان فـعـل الـقـلـب واللـسان وسـائـر الـجـوارح، وقـد نسـب هـذا الـقـول إلى أصحـاب الـحـديـث ومـالك والـشافـعـي والأوزاعي، ولأصـحـاب الـحـديـث، بـعـد ذلك أقـوال ثـلاثـة، الأول: الـمـعـرفـة إيـمـان كامـل وهي: الأصـل ثـم بـعـد ذلك كل طـاعـة إيـمـان عـلى حـده، وكـذلك الـجـحـود وإنـكار الـقـلـب كـفـر، ثـم بـعـد ذلك كل مـعـصـية كـفـر عـلى حـده، والـثـاني: الإيـمـان اسـم للـطـاعـات كلهـا، فـرائـضهـا ونـوافـلها وهي بجـملـتـهـا إيـمـان واحـد، وتـرك الـفـرائـض وحـده هـو الـذي يـنـقـص الإيـمـان بخـلاف الـنـوافـل، والـثـالـث: الإيـمـان اسـم للـفـرائـض دون الـنـوافـل، وقـد اقـتـصر الـجـرجـاني عـلى رأي الـطـائـفـة الـثـالـثـة، عـنـد مـا عـرف الإيـمـان بأنـه الاعـتـقـاد بالـقـلـب والاقـرار باللـسان، قـيـل في مـن شـهـد: (أن لا إلـه إلا الله، وأن مـحـمـدا رسـول الله).

.. وللحـديـث بـقـيـة.

* كاتب عماني