■■ مسقط ــ العمانية:
يقدم الفنان العماني علي فيصل المحضار، رؤيته الفنية بشكل مغاير ومختلف، فهو يرى، ومن خلال تلك الرؤية التي شكلت تجربة فنية بعد حين، أن الحياة معترك يتوجب الوقوف على تفاصيله، من خلال الترجمة الفنية لذلك، وتقديمها في قوالب فنية ممتعة للمتلقي، تلك الترجمة التي تأسست منذ أكثر من 20 سنة تحاول أن توجد لها خصوصية تختلف عن خصوصية تلك اللوحات التي قد نراها وتشابهت في قوالبها في معارض فنية شتى.. فالمحضار يتناول فنَّه وكأنه في حالة تسابق في التقاط الفكرة والاشتغال عليها بمشاهد بصرية بها تفرد مشتعل بالتكوينات الهندسية، فأنت تُشاهد التصاعد اللوني والصراع الذاتي لكل فكرة في كل لوحة، كما أن علاقته بصور الورق ومفاهيمها أسست طريق حياة مختلفة، ومن أجل ذلك يقترب المحضار ليقول كلمته في شأن ما يقدمه من فن دقيق مغاير. هنا يقترب الفنان التشكيلي العماني علي المحضار ليقربنا من تجربته بصفتها أسلوب فن وحياة. نحن نتحدث عن الرسم وأساسياته التي يستند عليها، لكن للمحضار خصوصية تربطه باللون وحكايات الفرشاة؛ فهو يشير إلى ذلك بقوله: لا بد أن نعي أن الفكر والإبداع والفن مميزات مع كل إنسان، ولكن التعبير عن تلك المميزات تختلف بقدر العلم والمعرفة والقدرات، فهناك من لديه القدرة ليعبر بالقول وآخر ليعبر بالكلام والبعض بالأفعال، وهناك النقيض، فعلى سبيل المثال، حتى الأمور غير الجيدة تقدم بصور شتى مع ذات الإنسان، بما في ذلك الكراهية أيضا، ولها صنوف شتى، مرورًا بالتفاصيل الأخرى المرتبطة بالحياة اليومية والتي تؤكد أن لكل إنسان فهمه في تقديم إبداعه، هنا أشير إلى تجربتي، فهي محصلة لسنوات ليست بالقصيرة، جاءت بعد تمحيص وتجارب عديدة واطلاع معرفي فني حاولتُ من خلاله الاقتراب من حياة الناس والتعرف على خصائصها وأبجدياتها، وهذا مقرون بالإدراك التام أن لكل إنسان حقه في إظهار إبداعه بالطريقة التي يريدها ويراها مناسبة لتكون بين يدي متلقيه، وما هذا الإدراك إلا ذلك العلم التام أن لكل. ■■

إنسان مجاله ومساره الصحيح اللذين يشقهما بطريقته الخاصة مع الطموح للمزيد من التألق وصولًا إلى بلوغ النهايات. للفنان علي المحضار عمل فني تشكيلي جديد، يحمل عنوان (الجوكرـ الملك والملكة)، أنهى الاشتغال عليه منذ مدة قصيرة، وفي هذا المسار يقف المتأمل معه حيث تلك النهاية القريبة، وهنا يقدم المحضار ماهية عمله الفني الجديد الذي يأتي برؤية تشكيلية مكملة لما سبقها من أعماله، حيث اللعب على وقع الفكرة التي مثلت أسلوبا فنيا متكاملا، وهذا ما يؤكده بقوله: في هذا العمل الفني (الجوكرـ الملك والملكة)، ثمة تجربة تتحدث عن صراع أزلي بين عالمي الرجل والمرأة، حيث تلك المفاهيم المرتبطة بالظلم الإنساني، والتي دائما ما تفرز، “ظلم القوي للضعيف”، لكن أقول ومن خلال هذا العمل إنه لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة، هما سواسية، في الشكل والروح، وأعتقد أن الاختلاف يكمن في فهم المعاني، فلكل طرف فهمه الخاص للظروف المحيطة به، بما في ذلك المحيط الديني أو السياسي أو الثقافي الفكري والذي دائما ما يؤثر في العقل بينهما، وهنا ينتج عدم التوافق التام، لذلك نرى صورًا غير مستقرة بين الطرفين، حيث (يقوى القوي، ويضعف الضعيف). وعن العمل الفني (الجوكرـ الملك والملكة)، يضيف المحضار بقوله: نجد في جميع أوراق اللعب بأن الرجل يحمل السيف والقوة والجاه مع سيطرته على الدنيا والعالم، ولا يضع أي اعتبار لعالم المرأة، على الرغم أنها هي من أنجبته وعلمته وتعبت في رعايته، مع دعائها الدائم المؤثث بالأمل له، وخير مثال على ذلك، تلك

المقولات التي تجسِّد قوة الرجل وعلاقته بالمرأة ومن بينها (وراء كل رجل عظيم امرأة)، في المقابل يشير العمل إلى أن المرأة تحمل وردة، يفسرها البعض، بأنها (رمز الضعف)، لكن هنا تساؤل صريح يتمثل في، هل المرأة ضعيفة؟!! هل هي أقل شأنا من الرجل فعلا؟!! ولماذا يصوّر العالمُ المرأةَ بهذا الشكل؟ وثمة رؤية واضحة على ذلك تتمثل في سؤال استنكاري ومفاده، “هل تعلم بأن المرأة هي من تُضعف نفسها بإرادتها للعالم”! والإجابة هنا تؤكد أن المرأة قوية وتستطيع تحويل ذلك الضعف إلى قوة في جميع النواحي، ويكفينا فخرًا بسيدات نساء العالمين، فللمرأة مكانة رفيعة، أقرها الدين الإسلامي عندما أوضح في “أمك ثم أمك ثم أمك.. ثم أبيك”.

ويضيف المحضار أيضًا: في اللوحة أيضا الرجل يضع حصانَه في عالم المرأة فارضا أسلوبه وشخصيته على عالمها الضعيف، رغم احتياجه لها فهي - في الأساس - مصدر قُوَّته، ولكنه لا يريد أن يعترف بضعفه مقابل المرأة، واحتياجه لها، ففي نظره، المرأة ضعيفة دائما، وباختصار شديد هذه اللوحة تفسّر ذلك الصراع الأزلي بين الطرفين المهمين في هذه الحياة، واللذين لا يمكن استمرارية حياتهما دون بعض، وإن وجد الجدال في خصائص حياتهما لظهرت النتائج غير المحمودة، فلكل مخلوق خصائصه التي قد تكون غير مكشوفة للآخر وهذا ما سيُوجِد نوعا من التواصل المبتور البعيد عن أسس التفاهم والتسامح. للفنان علي المحضار رؤية خاصة في تقديم أعماله الفنية ومعالجة أفكارها، لتكون بين يدي المطّلِع تتمثل في رسم ألواح الشطرنج، ولاعبي الورق، أضف إلى ذلك العناكب على سبيل القول، هنا يفيد لماذا هو مسكون بهذا التوجه، موضحا تلك القيمة الفنية السريالية في هذا الشأن الفني ويقرّب رأيه بقول الله عز وجل في محكم كتابه: “وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب”؛ فالإنسان بطبيعته ذو فطرة على اللهو واللعب، فهو لا يحبذ التقيد، وراغب في الترفيه واللهو والاستمتاع، وأنا من وجهة نظري أحاكيه بهذه الطريقة، فهو في راحة دائمة لعدم وجود قيود وحواجز، ومن هذا المنطلق أستطيع إيصال رسالتي الفنية له، مع التفرد بأعمال وألعاب عالمية تحاكي واقعه وما حوله؛ فأنا بطبيعتي أفتش عن كل ما هو جديد حولي وقابل للفت الانتباه، ومن هذا المنطلق ندرك أن الفن رسالة، ولا بد أن أقدمها للمتلقي بالصورة التي يحبها ويود اكتشاف ذاته من خلالها، فلا أخفي قولا بأني أشعر بسعادة وأنا أضع الفرشاة والألوان على لوحاتي كي تكون شاهدة على تجاربي. يتطرق الفنان المحضار إلى تلك الرسالة التي تشغل واقع الفن لديه على وجه الخصوص

والتي دائما ما يحرص على أن تكون في مواءمة مع لوحاته الفنية، وهنا يفرد مفاهيم تلك الرسالة ويوضح حديثه قائلا: مما لا شك فأنا في اختبار دائم مع لوحاتي الفنية، والتي أحرص على أن تكون غير اعتيادية، وبأفكار غير مسبوقة لتضيف الإبهار لمن هم حولي، أو لأولئك المتتبعين لي، ويضيف بأن الاشتغال على رسالة الفن أمر بالغ في الدقة، وعلى الفنان أن يكون أكثر حرصا في انتقاء مفردات فنه، فعندما يعمل الفنان التشكيلي على إيجاد سلوك فني مميز في محيطه، فذلك يعني أنه قام برسم خارطة طريق متفردة تؤسس مشواره، وهنا يتجسد أهمية اللون وقيمة اللوحة التشكيلية التي يعمل على إيصال أفكارها وهواجسها، وبعد حين سيتولد ذلك الانطباع المترسخ في ذهن المتلقي والمكرس على وضوح تلك الرسالة وأهميتها والقيمة المعنوية لها، وأود أن أشير في هذا المقام أن التجارب الفنية الجديدة والمبتكرة، غير دائمة ووقتية والعالم من حولنا لا يتقبلها ولا يفهمها بالصورة التي يتمناها كل فنان، لكن يجب أن نؤمن أن ما يقدم في قوالب فنية تشكيلية، هو في نهاية المطاف ثقافة بصرية، ولها جمهورها النخبوي أيضا. للفنان التشكيلي علي المحضار العديد من الأعمال والبرامج التي جسدت تجربته الشخصية على مدى السنوات الفائتة، والتي بلا شك أضافت إلى واقعه الفني الكثير، ويقدم الفنان ما يمكن إضافته من تلك الأعمال والبرامج إلى تجربة الفنان التشكيلية على وجه الخصوص، ويوضح عددًا من النقاط ذات الأهمية ويشير إلى ذلك بقوله: لا بد أن أكون أكثر صراحة هنا، إن التجارب والإضافات في حياة الفنان التشكيلي كثيرة، كغيره من المبدعين في أي زمان ومكان، لكن بعض المتلقين غير مدركين بتلك الطفرة الفنية التي هي في تطواف دائم مع العالم حولنا، فهو لا يزال ضمن أطر وأساليب قديمة، حيث تلك اللوحة الواقعية والصورة الضوئية التقليدية، أظن أن على الملتقي أن يكون أكثر دراية بما يطرح من فن تشكيلي، فالعالم يتطور في أساليب الحياة الأخرى، وأيضا فهو يتكور في الفنون وآدابها

ومساراتها، دعني أقول إنني حاولت كسر الواقع بحركة فنية قمت بها منذ فترة في إحدى المسابقات الفنية، وهي أنني أدخلت دراجة نارية في التنافس على مراكز المسابقة بطريقة فنية رائعة، وفزت بها أيضا، كما قمت بالعمل على غطاء محرك السيارة، وأنجزت منه عملًا مميزًا، مرورا بتلك اللوحات وتجهيزها بالفراغ، مع استخدام الملصقات لأول مرة في أعمالي الفنية وكل هذه أفكار جديدة وعصرية لكنها للأسف قد تكون غير مفهومة وتعد جديدة في مجتمعنا الفني المحيط. الفنتازيا فكرة محفزة وواقعية في أعمال كل فنان يعشق المغامرة والابتكار، والتجريب أيضا، هنا يوضح الفنان علي المحضار قربها من أعماله وأثرها الواقعي عليها ويفنّد قوله: أؤكد أن المغامرة والابتكار، أمورٌ لحظية ووقتية وفهمها قد يكون قاصرا على الفنانين، لكن أوضِّح أن التجارب ممتعة وتدريب العقل على الخيال والإبداع أمر مطلوب، ومن الجيد أن تكون للفنان رياضة يتعامل بها مع عقله الفني، والمتأمل في خلق الله في كل مكان، سيجد أن كل أمر خُلق بصورة تأخذ اللب، وبصورة تتجاوز العقل البشري، وعليه فإن العقل الفني يجب أن يكون مبصرا وفاحصا في تناول الأشياء حوله وأن يترجمها بما يراها وأن تكون أكثر اختلافا ووقعا على العقل والروح، وهذه هي مهمة الفنان.