[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]

” خلال الأيام القريبة الماضية عقدت أكثر من عشرة مؤتمرات تحمل هذا العنوان: مكافحة التطرف والإرهاب. وليس غريبا أن بعض الحكومات العربية، متهمة بدعم الإرهاب وتمويل عصاباته وتوفير كل الخدمات له، اعلاميا وبشريا، هي القائمة بأغلب ذلك. ويتعكز هذا البعض علنيا على مسألة عدم وجود تعريف للإرهاب والتطرف، او لا يريد ان يقر بتعريف له او يعلن صراحة ما هو الإرهاب في منظومته الفكرية وممارسته اليومية له عمليا. ”
ــــــــــــــــــــــــ
بعد أن احتل "داعش" مناطق واسعة من العالم العربي، بدأها في سوريا ومن ثم العراق وبعدها مبايعة تنظيمات تمتد على مساحة المعمورة العربية والإسلامية، وجند له "مقاتلين" من الغرب، اصبح الحديث عنه واسعا في العالم كله. ونشرت عنه "تهديدات" لبعض الدول الراعية له او التي سهلت له ووفرت ما اراد منها في بداياته فأخذت تدعي انها هي الأخرى مهددة منه، او تعمل مثل غيرها، لاسيما الدول المجاورة للوطن العربي، من شماله أساسا، على مكافحته والمساهمة في القرارات الدولية المخادعة. اصدرت الامم المتحدة قرارا ضده، وتعاقدت دول برئاسة الولايات المتحدة لتحجيمه ومن بينها دول عربية، وشكلت تحالفات غدر مبيت لها اهداف معلنة زورا لمكافحة الإرهاب وتضمر سرا خططا عدوانية تفضحها وسائلها العدوانية وممارساتها الوحشية. وما يكشف بين فترة وأخرى من تصريحات خطيرة لمسؤولين عرب تعلن ما يبيت وينوى له من تلك الاحلاف والمؤتمرات. تستهدف تلك الاحلاف والمساعي العدوانية تدمير الدول المناهضة فعلا للإرهاب، والمقاومة له ولمؤسساته ومنظماته وقواعده الاستراتيجية. والمستغرب فعلا الازدواجية الصارخة في نشاطات بعضها في عقد مؤتمرات تحت عنوان "مكافحة الإرهاب". والسؤال لها دائما، أي إرهاب تقصده؟.
خلال الاأام القريبة الماضية عقدت أكثر من عشرة مؤتمرات تحمل هذا العنوان: مكافحة التطرف والإرهاب. وليس غريبا ان بعض الحكومات العربية، متهمة بدعم الإرهاب وتمويل عصاباته وتوفير كل الخدمات له، إعلاميا وبشريا، هي القائمة بأغلب ذلك. ويتعكز هذا البعض علنيا على مسألة عدم وجود تعريف للإرهاب والتطرف، او لا يريد ان يقر بتعريف له او يعلن صراحة ما هو الإرهاب في منظومته الفكرية وممارسته اليومية له عمليا. فيذيع انه ضده ولكنه يعمل علنا وسرا على دعمه ونشره وحتى التباهي والتهديد المبطن به. ولهذا فإن عقد مؤتمرات تحت هذا العنوان يكشف فعلا نفاق من يقوم بها ويحضرها ويسهم فيها. ولعل قراءة العناوين والأسماء توحي بمدى القدرة على التلون الحرباوي، والتهرب من الفعل الواقعي في التوصيف للأخطار المحدقة والكامنة في هذا البعبع الجديد الذي اختلف ايضا حول منشأه ومصادره ومن ثم استمراره وتوسعه.
المضحك في الأمر أن هذه المؤتمرات تغطى إعلاميا من وسائل الإعلام المشتركة في الترويج للإرهاب وتوفير كل الخدمات له. حتى ان بعضها صرح بذلك علنا، بل ان من كان يقوم بذلك عين مديرا لواحدة منها. اما التسميات فحدث عنها ولا حرج. مع قيامها بتقصد، او هو جزء من مهامها في تشويه وتخريب معاني ومدلولات الكلمات والتلاعب على تشويه الوعي وغسيل الدماغ والتفرج على الكوارث التي تنتهي اليها أعمالها وجماعاتها ومؤتمراتها. التي تعمل كما هو طبيعي لديها على قمع الحريات وإغلاق أبوابها ومنع التمتع بوسائلها الحديثة وتحريم المفردات من تداولها محليا بينما تستخدمها هي في عناوين برامج يومية لها وتضعها واجهة في وسائل إعلامها المكتوبة، ولسد الفراغات في ساعات بث وسائل إعلامها المرئية والمسموعة، واستخدام التكرار المبرمج وسيلة للتذكير والتحريض والحث النفسي والإثارة العاطفية عبر الصورة والكلام والوضع المأساوي الذي أسهمت هي فيه دون الأخبار عنها ورميه على الجهات والأطراف التي تخطط ضدها وتعمل عليها حربها وعدوانها. وهذه التصرفات هي وسائل معلومة تقوم بها تلك الوسائل الإعلامية أو هي مادتها وبرامجها التي تكون في النهاية وسائل إرهاب إعلامي فعليا، لم ينتبه لها ولم يجر التحرك ضدها وصدها والكشف عنها.
هذه الوسائل الإعلامية هي جزء من حملات الإرهاب التي تتحرك في المشهد السياسي العربي والإسلامي أولا ومن بعده دوليا. وهذه كلها توضح الأهداف المرسومة لها والخطط المعدة لها. وتأتي المؤتمرات إضافة تغطية ووسائل أخرى لتمريرها وتجهيز الساحات المنشودة لأعمالها ولها. وما كثرة تلك الوسائل والإعلان عن جديد لها ومؤتمرات متواصلة إلا دليل آخر على ضخامة الهجمة الاستعمارية الصهيو أميركية على المنطقة اولا وعلى الشعوب ثانيا وعلى توسيع القواعد الاستراتيجية العسكرية وغيرها المعادية لطموحات الشعوب والمنطقة في النهاية.
يكشف الإرهاب الاعلامي حاليا مهمته سواء داخل او خارج تلك المؤتمرات ومن يقوم بها، وتعمل له جهات رسمية وأهلية، وتوضع له ميزانيات مالية ضخمة لأنه يمارس دوره المطلوب. وقد كشفت وثائق الويكيليكس جزءا منه، كما اكدته تسريبات الموظف في الاستخبارات الأميركية ادوارد سنودن، والتي تبينت الادوار منها او التي رسمت والنشاطات والفعاليات التي خطط لها او قام بها المكلفون رسميا او بالفعل ذاته او خدمة للعنوان الموضوع. ومن بينها ما يحصل من ضحايا لها في هذا المجال. وقد يكون ذكر اعداد الصحفيين الذين خسروا حياتهم بسبب المهنة وحملات الإرهاب احد صور الكارثة التي تحصل في عالمنا اليوم. حتى الذين قطعت رؤوسهم، وهم ضحايا الإرهاب فعلا، استثمرت قضيتهم دون تحمل مسؤولية عما لحق بهم وأسباب الجريمة المشتركة للإرهاب الاعلامي والمؤتمرات الداعمة له فعلا والمصورة لمكافحته كذبا وتضليلا.
في الوقت ذاته لابد من التفريق بين الإرهاب الإعلامي ومؤسساته في العالم العربي وبين الحريات الإعلامية وحماية الصحفيين والعاملين في مؤسسات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي العامة. ويجب ان يتوفر ضمان كامل وفهم واضح ومقدرة تمييز. اذ لا يمكن ان تخلط الاوراق وتضيع البوصلة المنشودة في معرفة البون الشاسع بينهما. وإيضاح مهمات كل منهما، حيث لا يمكن ان يجمع بين الإرهاب الاعلامي والأمني الذي يمارس وعصابات الإرهاب واستخداماتها المختلفة، والحريات العامة للإعلام والإعلاميين. كما أن إنكار دور الإرهاب الاعلامي والتمويل والتنفيذ العملي والتجنيد الاعلامي لا يقلل من اهمية المؤتمرات المضادة والعاملة فعلا لتحديد المؤسسات والجماعات الإرهابية وتمويلها وتجنيدها واستخدامها للإعلام والمتخادمين معها فيه. وهذه هي المهمة الرئيسية لاية مؤتمرات تحمل هذا العنوان.
نقل عن نوري السعيد، (1888- 1958) السياسي العراقي المعروف، رده او تبريره لسؤال في البرلمان، ( اواسط الاربعينات من القرن الماضي) أنه أغلق عصبة (مكافحة الصهيونية) لأنها تكافح عن الصهيونية التي يحاربها(!). وهذا الفهم هو الذي يتزعم أغلب هذه المؤتمرات ووسائل إعلامها.