لا يزال فيروس كورونا "كوفيد19" يواصل انتشاره على نطاق واسع في أنحاء العالم، على الرغم من اتِّساع نطاق حملات التَّحصين ضد الفيروس، فكُلُّ يوم يُضيف أرقامًا جديدة إلى حصيلة الوفيات والمصابين، والقائمون على تسجيل الإحصائيات يواصلون بدورهم تدوين الأرقام، والمهتمُّون والمُتابعون من النَّاس في كُلِّ بلد من بلدان العالم مستمرُّون في رصد الأرقام، ومعرفة أعداد حالات الوفاة والإصابة ارتفاعًا وانخفاضًا مع ما ينتاب السَّواد الأعظم من النَّاس من القلَق والرُّعب والتوجُّس خشية الإصابة ووصول الأمر إلى نتائج سيئة، بجانب ما يعانونه من آلام وأحزان ومآسٍ نفسيَّة واجتماعيَّة وأُسريَّة واقتصاديَّة ومعيشيَّة.
من اللافت أنَّ الوباء عبر تحوُّلاته وسُلالاته التي تتناسل لا يزال الأقوى ويواصل خنْق الحياة بكُلِّ تفاصيلها، وحرمان النَّاس من ممارسة أنشطتهم وتحقيق مآربهم ومصالحهم بالأريحيَّة التي اعتادوا عليها، بل إنَّه لا يزال يحرم الكثير والكثير من البشر من كسب معايشهم، وتسيير أعمالهم وتدبير شؤونهم، حيث أخذت تتكالب عليهم الظروف من كُلِّ حَدَب وصَوْب، مُضاعِفًا من آلامهم وأحزانهم، ومُفاقِمًا مآسيهم، ومُزِيدًا من مشاعر القلَق والرُّعب والاضطرابات النفسيَّة والعصبيَّة.
وما يلفت أكثر ويؤكِّد ذلك، هو أنَّه في الوقت الذي تستعدُّ فيه دولة ما للعودة إلى الحياة الطبيعيَّة والسماح بعدم ارتداء الكمامات، وإنهاء القيود، وفتح الأنشطة بعد تحقيقها نسبة عالية من تطعيم مواطنيها تستعدُّ لمواجهة موجةٍ جديدةٍ من الوباء، وتتهيَّأ للعودة إلى قرارات الإغلاق مرَّةً أخرى، وفي الآنِ ذاته نجد دولة لم تُسجِّل حالات وفاة عادت لتُسجِّل مُجدَّدًا، وأخرى تُسجِّل عددًا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة وربَّما أقلَّ من ذلك، قد ارتفع لديها عددُ حالات الوفاة على النَّحْو الذي يحدث في فرنسا وبريطانيا، وكذلك في أستراليا التي قامت بتمديد الإغلاق في مدينة سيدني حتى نهاية الشهر الجاري، بينما تواصل الولاية معركتها في القطاعات التي تجتاحها حالات الإصابة بفيروس كورونا بشكل متزايد. في حين على الصعيد العربي لا تزال دائرة انتشار وباء "كوفيد19" تتَّسع على نطاق كبير، حيثُ يُوالي الفيروس حصْدَ الضحايا، مُهدِّدًا القطاعات الصحيَّة بالانهيار، مع التَّحذير من تفشٍّ جديد للسُّلالات المتحوِّرة الآتية من قارات العالم وشِبْه قاراته.
لقد تجاوز عددُ حالات الوفاة في العالم أربعة ملايين، والمحزن أنَّ هذا العدد لنْ يتوقَّف عند هذا الحدِّ، وإنَّما يتصاعد يوميًّا، وهو ـ لا رَيْب ـ عددٌ يثير الذُّهول، ويُمثِّل أسماء وشخصيَّات كانت بالأمس وأمس وقَبْل ساعات بَيْنَ أهلها وذويها وفي أماكن عملها، وفي مختلف أنشطتها، ولم يبقَ لها سوى ذكرى، وكراسي وأماكن فارغة.
إنَّها لمأساةٌ حقًّا، والحالُ لدينا ليس بأحسْنَ من غيرنا، فبعد أنِ استبشرنا بانخفاض أعداد حالات الوفاة لتصل إلى اثنتي عشرة حالة نُزولًا من مئة حالة ونصف المئة، عادَ العددُ أمس الأول مرتفعًا؛ ليبعث فينا الصَّدمة والأسَى والحزن، ويطيح بالتَّفاؤل والأمل، حيث أعلنت وزارة الصحَّة عن تسجيل (37) حالة وفاة جديدة بمرض فيروس كورونا و(982) حالة إصابة وتعافي (1276) حالة.
والمؤسف والمؤلم أنَّ هذا الارتفاع يأتي ليفاقم من مِحَن أفراد المجتمع، ويمنع كُلَّ فرصة للابتهاج والفرح بمناسبة عيد الأضحى المبارك وإحياء شعائر الله، ويخطف مظاهر العيد من قلوبهم وأنفسهم ووجوههم، كما فعل العام الماضي، رغم الأمل بِعِيدٍ مختلف ومبهج هذا العام، حيثُ تتوالَى الأحزان في كُلِّ قرية وفي كُلِّ مدينة وفي كُلِّ حارَةٍ وبَيْت، ليجعل لِسَانَ الحالِ يقول "عِيدٌ بأيةِ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ". لكنَّ رجاءنا في الله كبير، ولكُلِّ أزمة نهاية، ولكُلِّ ظلمة انقشاع، ولكُلِّ وباء زوال، فكورونا زائل بقدرة الله وإرادته وبرحمته وفضله وإنعامه ورعايته وعنايته بالعباد، وبالتوكُّل عليه واتخاذ الأسباب الكفيلة المُؤدِّية إلى التعجيل بزواله.