عادل سعد:
تظل الثقة واحدة من أهم المقاربات اللازمة للتوظيف التضامني تأسيسًا على حاجات دولية ضاغطة الآن لا يمكن تلبيتها إلا بمنهج من هذا النوع أساسه المصالح المشتركة المشروعة، وإلا فإن العالم مقبل على المزيد من الصعوبات الجمة إذا أخذنا بالتشخيص الاستخباري العام الذي نشرته مجلة لوبوان الأسبوعية الفرنسية، وهو خلاصة شهادات عدد من عقول استخبارية عالمية قالوا فيه إن الاضطراب الذي تسبب به وباء كورونا يضاهي في نتائجه الاضطراب الدولي الذي حلَّ بالعالم نتيجة الحرب العالمية الثانية، مشيرين إلى أن الذي فَاقَمَ الوضعَ سوءًا التحديات البيئية. وإذا كانت هذه الخلاصات لم تتطرق إلى الحاجة المطلوبة لمواجهة هذا الاضطراب، فإن باحثين متمرسين أكدوا أن لا بديل من تعظيم رأس المال التضامني؛ أي البيئة الضرورية الحاضنة للثقة. وبخلاف ذلك، لا تنمية تستعيد التوازن السابق حتى وإن توافرت كل الشروط المادية واللوجستية لهذه التنمية.
وبقدر ما يتعلق الأمر بمتابعاتي المتواضعة خلال الخمسين سنة الماضية التي أمضيتها في العمل الثقافي والإعلامي العام، لم أجد ضرورة أهم من الضرورة التي تعطي المزيد من الأرجحية للتكامل بين العاملين، العامل الفردي، والعامل العام بوصفه جوهر القوة القادرة على مواجهة المخاطر، وزاد يقيني بهذه الأرجحية خلال متابعاتي الإعلامية اليومية للحروب التي عصفت بالعراق منذ عام 1980 وفي السنوات الطويلة اللاحقة وما حفلت به من خسائر جسيمة.
لقد ظل هاجسي الأساسي البحث في كيفية استثمار الخطر للحفاظ على الثقة العامة من التصدع، وشغلتني أهمية تدوير الخسائر. أنا هنا لا أزعم الوصول إلى نتائج إيجابية حاسمة لصالح هذا التوجُّه، وإنما أؤكد أن الموضوع أخذ المزيد من اهتمامي، ومن جملة الاستنتاجات التي توصلت إليها وأصبحت على قناعة بها، أن العامل النفسي محرك أساسي لإعادة تنشيط أي توجُّه إيجابي عند تعرضه إلى إحباطاتٍ تفرضها حالات طارئة لم تكن على جدول الاحتمالات.
استطرادًا، وبالعودة إلى وثيقة (مصيرنا المشترك) التي صدرت عن الأمم المتحدة في الثمانينيات من القرن الماضي، فقد كانت تلك الوثيقة خلاصة تحذيرية من مغبة المنافسة المفتوحة القائمة على مجرد تحقيق الريع، وأن الحاجة الضرورية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال التخلي عنها إنما تكمن في تلبية التكامل بين رصيد رأس المال التضامني ورأس المال الاقتصادي، ويبدو أن الخبراء الدوليين وهم يصرّون على ذلك أرفقوا هذا الهامش مجددًا في الوثيقة الدولية الصادرة عن المنظمة الدولية عام 2015 تحت عنوان أهداف التنمية المستدامة حتى عام 2030 ضمن بنودها 17.
إن القراءة التحليلية الموضوعية لآفاق تلك الأهداف تبين بما لا يقبل الشك كم هي ضرورة قصوى الحاجة إلى الثقة والتعاطي مع الأحداث الصعبة بروح المكاشفة والتعاون وتقاسم متطلبات المواجهة، وإزاء ذلك يستدعي التبشير بها مقاربة ترى عدم وجود فائض قيمة في الوقت السانح الآن، وأن استحقاق المرحلة يكمن أصلًا في الحاجة إلى التضامن ضمن النسخة التي أشرتها تلك الوثيقة الدولية (مصيرنا المشترك)، بحسناتها التحفيزية الواضحة القائمة على الدعوة إلى الانخراط في معايشات تكافلية.
والحال، فإن ما كشفت عنه هوامش توافقية بين طروحات صدرت عن منظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي وأطراف دولية أخرى معنية بالإصلاح إنما يؤكد كم هو ضرورة رصد المزيد من رأس المال التضامني للكلفة المالية الاستثمارية والاستبصار بروح الشراكة وتقاسم عادل للفرص.