سميحة الحوسنية:
أغلقت قناديل الطريق ليمضي الحزن متكئًا على عصاه في ذلك الليل الدامس يمزق خيوط الصباح كلما أنارت دروب الأمل وبشرت بزوال المرض.
هناك في تلك الغرف المضيئة في العناية المركزة ترقد أرواح تجهل مصيرها وقد كبلتها الأجهزة التي تأنُّ وتصرخ مع ضجيج الفقد وأوجاع المنومين .. هناك كتبت الأقدار آلاف القصص التي وقفت في محطات الموت والحياة تنتظر العودة الى النور والاكتحال برؤية الأهل والأولاد والأحباب ومنها من غادر بدون قبلات الوداع.

فالحروف مبعثرة في تلك الغرف تبحث عن أمل عقيم وآهات كلمات حبلى تجهض الفرح وتحتظر عندما تصمت الأجهزة .. فتتعالى صرخات المحبيين.
بالأمس عانقت المنية زميلنا (محمد السعيدي) مترجلًا عن صهوة جواد الحياة فتناثرت الحروف على صفحات النعي وصمت القلم عن البوح ليفيض مداد حبره دموعًا في لحظات الاحتضار .. بينما كانت زوجته (مريم) تمضي إلى عالم آخر وقد حاطت بها الأجهزة لتنبض مع نبضات الأمل وتصمت عندما يقف الموت بعباءته متأملًا ملامح وجهها ليعلن الرحيل .. عن ماذا أتحدث؟؟ هل أتحدث عن صباحات العيد التي أقبلت بثوب الحداد وباتت شاحبة .. البيوت مغلقة .. والمقابر تتزاحم فيها الأرواح النائمة على أسرة الوداع والأنين .. فأخبار الموت تغزو كل مكان .. فلا حديث للعالم ولا شاغل غير (كورونا) هذا الضيف الثقيل الذي خلف ملايين الجثث ومازال يمضي متحررًا ينهي القصص ويكتم الانفاس.

توالت الصباحات الحزينة ليتوقف نبض (مريم) في ثالث أيام العيد لتلحق بزوجها (محمد) بعد موته بفترة أيام قليلة وكأنهما تعاهدا ألا يتنفسان الحياة الا معًا .. غادرتنا (مريم) التي كانت وردة باسمة وعطاءات متدفقة في مسيرة العمل الصحفي على مدى سنوات .. بعد معركة شرسة خاضتها مع زوجها في ميدان البقاء .. وكان (كورونا) فيها الغادر القاتل.

فكم أوجعتنا تلك اللحظات .. التي امطرت حزنًا في سماء الانتظار .. وكم كانت القلوب ظمآنة لسماع أخبار تثلج الصدر وتفرح النفس بعودتها ترفل بالصحة والعافية لتعانق أبناءها وتعوضهم عن آلام البين وتمضي بهم في رحلة الحياة.

رحلت (مريم) من دار الفناء إلى دار البقاء لتبقى كلماتها وجمال حروفها وأحاديثها الماتعة التي تفيض محبة وإحترام في ذاكرة الجميع .. رحلت بعد رحلة إخلاص وجهد في ميادين العمل الصحفي .. فكان صدق الكلمة ومواضيعها الهادفة وقلمها الذي كان يتدفق بمساهماته الفكرية ومشاركتها وتغطياتها للكثير من الفعاليات .. رحلت (مريم) بصحبة رفيق دربها ومن أزهر حياتها سعادة وجمال ليتركا عائلتهما .. وقلوب أفعمتها الغصة لرحيلهما .. وداعًا ولروحكما الغالية السلام.

* مراسلة (الوطن) بولاية الخابورة