جميلة الجهورية:
يتساقط البشر كل يوم كأوراق الشجر من بين اهليهم لتتوالى الفواجع في البيوت ويطول (خريف كورونا) ولا يزال يحصد الارواح..لتسقط الورقة التي كنا ننتظر تعافيها ونموها من جديد، تسقط ودوي الفاجعة يتجدد والسواد يلتحفه أسرتين ما زالت تستقبل تعازيها في فقيدها الراحل قبل أسبوع، لتصعد روح (أم يقين) مريم الفارسية الزميلة العزيزة وتلحق بروح زوجها (أبو يقين) الزميل محمد السعيدي الذي سبقها بإسبوع، والقلوب تنفطر حزنًا.
تلحقه تسليمًا لأمر الله، تلحقه بعد صراع مع أجهزة الاكسجين و(الموت والبقاء) لترحل تاركة (يقين) ذات الثلاثة عشر ربيعًا أمام مسؤولية كبيرة، (يقين) التي ما زالت في الحلقة الثانية لترسم هي واخوتها (حنين وعلي وعمران) دروبًا يعظمها الفقد باليتم.

(الفقد) الذي لا يزال كثيرٌ من الأبناء (الراشدين) للأسف الشديد لا يعرفون مرارته ولا يدركون حجم الفراغ الذي يتركه بفقد (أب أو أم) ولا يستشعرون نعمة آبائهم بينهم وقيمتهم في حياتهم، يمارسون العقوق الصريح منه والصامت والخفي، يمارسونه بوعي ودون وعي، عقوق يتجرعه كثير من الآباء والامهات من أبناء ينتظرون منهم خفض جناح الذل من الرحمة في أرذل العمر..
وهيهات يشعر بقيمتهم إلا من تجرع مرارة الفقد وحرم من نعمة وسكينة (الأبوين)..
وللحديث عن العقوق بقية في مقام ومقال آخر.

لأعود إلى صغيرتي (يقين)..
تلك التي ستكبر وتزهر تحت رحمة الله وفي عنايته، ستكبر ويشرق النور في عينيها من جديد وستحصد (الحب) الذي زرعاه والداها وأثمر بالخير بين أهليهم ومن حولهم، سيعوضهم الله خيرًا، ويجمعهم بوالديهم في جنات الخلود.
صغيرتي يقين: ستكبرين أكبر من سنك فلا تخافي، وستتجاوزين الحزن، وستدركين أن الدنيا دار عبور والملتقى الكبير في الاخرة، ستتعلمين معنى الصبر وإن لم يتحمله قلبك الصغير، لكن سيصقله الوقت بمسؤولية كبيرة.

صغيرتي: ستكتشفين في أحيانٍ كثيرة ان اليُتم رسالة ورحمة من رب العالمين وان كل أمر الله خير، ستشتاقين لهم (حبيبتي) ويتعبك الحنين وأصداء الذكريات، وستشعرين تارة بالظلم وستعيشين وجع المقارنات وفقدان الشعور بالانتماء للعائلة، وقد تلهبك أحيانًا سماع كلمة (أبي أو أمي) وهي تخرج من أبناء العائلة وغيرهم وهم يلتفون مع بعضهم وهم يمارسون أدوارهم ومسؤولياتهم تجاه بعضهم..

فلا تحزني صغيرتي وقولي (الحمدلله رب العالمين) لن ينساني (الله).حبيبتي (يقين): تأكدي غاليتي أنك ستكبيرين وتكبرين أمام مسؤولية عظيمة (إخوتك) الذين ستكونين لهم الأب والأم والأخت الراشدة الكبيرة، سيجعل الله عوضه فيك لهم، ولن يتركك وحدك وسيحيطك بحب أسرة أبويكِ ويقوض الله لكم من يرحمكم ويكفلكم ويشملكم بلطفه وإحسانه وبره بوالديكم ايتها الصغيرة الغالية.

لكل من يرى مصيبته عظيمة يتأمل مصيبة (اليُتيم) فليس أصعب من موت (الأبوين)، ولن نجد مهما عظمت مصائبنا، ولو لم تكن عظيمة لما قال (صلى الله عليه وسلم) حبيبنا محمد:(أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى)، مؤكدًا عظم المسؤولية في الدنيا، وعظم الأجر في الآخرة.
ختامًا..

نسأل الله الرحمة والمغفرة لزميلينا (أبو يقين وأم يقين) وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان، وأن يشمل بلطفة وعنايته أبناءهم، ويقوض لهم الخير وأسبابه بين اهليهم وذويهم.

[email protected]*