علي بدوان:
ما زالت تتفاعل داخل كيان دولة الاحتلال الإسرائيلي مسألة ما يُسمَّى بـ"قانون القومية"، واستتباعًا مقولة "الدولة اليهودية"، الذي تحاول سلطات الاحتلال فرضهما، والهدف من ذلك إلحاق الضرر بالمواطنين العرب الفلسطينيين أصحاب الوطن الأصليين، وتكريس ما يُسمَّى "يهودية الدولة"، في كيان يُفترض بأنه بعيد عن القومية؛ لأنه يجمع أصحاب ديانة واحدة وليس أصحاب قومية. فــ"اليهودية دين" وليست قومية في نهاية الأمر. و"قوانين الأساس، ومن ضمنها "قانون القومية"، هي فصول في الدستور الذي يتم بلورته لدولة "إسرائيل"، والذي يتم بناؤه لترسيخ مكوِّنات هُوية الدولة كدولة يهودية وتهميش مواطنيها العرب الفلسطينيين، والمسّ بهم، وترسيخ مكانتهم كمواطنين من الدرجة الثانية في كل الحقوق، وحرمانهم من نقل الجنسية لزوجاتهم من مواطني الضفة الغربية والقطاع ومخيمات الشتات.

وفي هذا المعمعان التفاعلي، وحراك القوى "الإسرائيلية" خصوصا اليمينية منها، داخل ائتلاف الحكومة وخارجه، رفضت ما يُسمَّى بـ"المحكمة العليا الإسرائيلية" مؤخرًا، إلغاء قانون أساس: "إسرائيل ــ الدولة القومية للشعب اليهودي"، والمعروف بـ"قانون القومية"، وذلك في أعقاب الالتماس الذي قدمته جمعيات حقوقية. وفي تعقيبه على القرار ذكر المركز الحقوقي (عدالة) الحقوقي، كما نقل موقع (عرب 48) الإلكتروني، أن المحكمة "بذلك صادقت على ترسيخ مبدأ الفوقية الإثنية اليهودية، وسياسة الفصل العنصري كمبادئ تأسيسية للنظام الإسرائيلي". وهذه المصادقة لها مساندوها عند أغلب الأحزاب "الإسرائيلية" وليس اليمينية والتوراتية الحريدية فقط، بل اليمين العلماني (حزب أفيجدور ليبرمان) وتشكيلات اليسار الصهيوني كحزب العمل، وحتى حزب ميرتس ...إلخ.

ونُشير هنا إلى أن "المحكمة الإسرائيلية العليا" نظرت في الالتماسات ضد "قانون القومية" بهيئة موسَّعة مُشكَّلة من 11 قاضيًا، وجاء القرار برفض إلغاء القانون والتعديل في بنوده بأغلبية عشرة قضاة مقابل قاضٍ واحد. وهذا يدل على تغوُّل وسطوة قوى اليمين، وحتى ما يُسمَّى قوى "اليسار الصهيوني" عند التطرق لمواضيع تتعلق بمقولة "الدولة اليهودية" وهي المقولة التي راجت بُعيد مفاوضات مدريد ـــ أوسلو عام 1993، وزاد الحديث عنها بعد توقيع اتفاق أوسلو الأول في باحة البيت الأبيض الأميركي.

إذًا، "المحكمة العليا الاسرائيلية" رفضت بإجماع أعضاء هيئتها من اليهود الالتماسات التي قُدمت ضد قانون القومية العنصري، واعتبرت القانون جزءًا من الدستور المستقبلي لدولة "إسرائيل"، وهو أحد أخطر القوانين العنصرية التي شرّعتها الكنيست، وأعطت شرعية تعميق التمييز القومي وعلى الفوقية اليهودية بالقانون الدستوري "الإسرائيلي"، وهي بهذا القرار تعطي عمليًّا الضوء الأخضر لقوى اليمين ومجموعات المستوطنين وكل المتطرفين داخل كيان دولة الاحتلال الإسرائيلي، ليواصل تشريعاته العنصرية وممارساته الاستبدادية ضد العرب الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين. فهل يقبل المنطق أن يكون يهودي موجود في الجزء الآخر من الكرة الأرضية ولا يربطه أي رابط بفلسطين، يحظى بهذا الحق بينما تحرم منه ابنة قرية فلسطينية هجرت عائلتها في عام النكبة 1948 وقد ارتبطت بقريبها الذي بقيت عائلته في الوطن؟

إن نقطة الانطلاق في ذلك المشروع "الإسرائيلي" (قانون القومية)، أن هناك تشريعات عنصرية، صدرت، وهناك تشريعات أكثر عنصرية على الطريق، وكلها تمسُّ المواطنين العرب الفلسطينيين أصحاب الوطن الأصليين. وكلها قوانين تعمل بشكلٍ حصري على تسهيل وتيسير هجرة اليهود إلى "إسرائيل" والحصول على مواطنة فيها، والمقصود اليهود وأقاربهم، وحتى لو لم يكونوا يهودًا، والغرض زيادة التفوق السكاني على المواطنين العرب الذين يتكاثرون بشكلٍ لافت ومُرعب لقيادات دولة الاحتلال الإسرائيلي، فالقانون في جزء منه مجرد غطاء للدوافع الديمغرافية الحقيقية التي تعمل "إسرائيل" على مواجهتها، والتي لم يتم إخفاؤها في النقاشات التي جرت في الكنيست. واليوم نتحدث عن حوالي 5% من سكان "إسرائيل" يعادلون 400 إلى 500 ألف ليسوا يهودا بل أوربيين، أو من دول منظومة الاتحاد السوفييتي السابق. ولكن التشريع المعنون بـ"قانون القومية" يوفّر الغطاء القانوني لهم، للحصول على الجنسية "الإسرائيلية" باعتبارهم مواطنين بكامل المواطنية والحقوق، ولم يسبق أن دخلوا إلى فلسطين في حياتهم؟

إن ما يُسمَّى "قانون القومية" في دولة الاحتلال الإسرائيلي، يتناقض مع مبادئ القانون الدولي، ويضرب بعرض الحائط هذه المبادئ، وخصوصا مبدأ المساواة والمواطنة المتساوية وعدم التمييز بين المواطنين في الدولة الواحدة.
فـ"قانون القومية" المطروح "إسرائيليًّا"، أحد القوانين الأكثر عنصرية في العالم بأسره، قانون، وهو ليس بالقانون، يُعيد إنتاج نظام (البانتوستانات/الأبارتهايد) في فلسطين بعد أن ودَّعته البشرية وتخلصت منه عام 1990 بإنهائه في جنوب إفريقيا، حين أصبح "الصوت الواحد للمواطن الواحد" بغض النظر عن عرقه أو لونه، أو انتمائه القبلي...إلخ.

وعليه، فإن كفاح الشعب العربي الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1948، لم ولن يتوقف دفاعًا عن وجوده فوق أرض وطنه التاريخي أولًا. وحقوقه فوق أرض وطنه ثانيًا. ورفضه لقوانين وتشريعات الاحتلال العنصرية والباطلة ثالثًا، وكل ذلك بالتكامل مع كفاح شعبنا في الضفة الغربية والقطاع والشتات. فلا "قانون القومية" "الإسرائيلي" الغارق في عنصريته يُمكن له أن يشطب حق شعبٍ بأكمله على أرض وطنه، مهما كانت سطوة وجبروت الاحتلال وداعميه. أما مقولة "يهودية الدولة النقية" فهي مقولة خارج التاريخ، ولم يعد لها من مكان، حتى لو استمرت دولة الاحتلال الإسرائيلي بالترويج لها ولقانون "القومية" العنصري.

كاتب فلسطيني ـ مخيم اليرموك