جدير بالعالم أن يقلق من انتشار الإرهاب وارتداداته، وحري به أن يكرس كل الجهود لمحاربة هذه الآفة التي تضرب أطناب الأرض بلا هوادة، لكن رغم هذا القلق لا تزال جهود العقلاء والرافضين لهذه الآفة تتصادم مع حوائط الدعم للإرهاب التي خرجت إلى العلن بصورة مستفزة وغير مسبوقة لدرجة أن أصحابها اليوم يبحثون عن الطرق المناسبة لتطويع وقائع الأحداث بما يتناسب مع فكرهم المريض وشذوذهم المنافي لكل القيم والأخلاق والمبادئ والفطرة الإنسانية السليمة وذلك بإكساب الإرهاب وأدواته وعصاباته صفة الشرعية.
ومع تنامي هذا القلق، كما بدا في جلسة مجلس الأمن الدولي التي استمرت يومًا كاملًا حول التهديدات التي يتعرض لها السلم والأمن الدوليان بما فيها الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، إلا أن المعطيات وفق هو ما مشاهد وحاصل في فلسطين المحتلة وسوريا والعراق وليبيا ولبنان ومصر وتونس واليمن تؤكد انفصام الأمم المتحدة ومجلس أمنها عن الواقع من ناحية، ويؤكد حالة النفاق التي طغت على مجلس الأمن بسبب هيمنة بعض أعضائه وتحولهم غير المسبوق نحو التحالف مع الإرهاب ودعمه بشتى الوسائل والسبل، ما يشي بأن منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن قد تجاوزا عمرهما الافتراضي وأصبحا آليتين غير مناسبتين لتحقيق السلام والأمن في العالم، ذلك الذي أمسى في حاجة ملحة إلى نظام جديد يرسي مبادئ العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، ويحول دون سيطرة وتحكم الكبار في مصائر من لا حول لهم ولا قوة.
فالقرار رقم 2195 الذي اعتمده مجلس الأمن يوم الجمعة الماضية بالإجماع يعد القرار الثالث هذا العام 2014م حول آفة الإرهاب وتجريم الداعمين والممولين ومطالبته بإغلاق الحدود ومنع تدفق الإرهابيين ومحاربة الإرهاب وقطع التمويل، بعد القرارين 2170 و2178 الخاصين بسوريا والعراق، وقد أعرب أعضاء المجلس في القرار الأخير عن القلق إزاء التمويل الذي يتلقاه الإرهابيون وما يحصلون عليه من موارد، ودعا إلى اعتماد سلسلة من الإجراءات الدولية لمنع الإرهابيين من الاستفادة من الجريمة المنظمة العابرة للحدود ومحاسبة شبكات التهريب ومراقبة حدود الدولة وضبطها.
ومن المفارقات أن القرارات الثلاثة تحمل اللغة نفسها والنفس ذاته، إلا أنه حين يتم عكس هذه القرارات وما تضمنته على الواقع وما يحصل من تنافس بين أقطاب دائمة العضوية وغير دائمة العضوية في مجلس الأمن وبين أعضاء بالمنظمة الدولية على بناء تحالفات غير مسبوقة مع عصابات إرهابية وتبنيها ودعمها والدفاع عنها، نجد أن هذه القرارات لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وتفقد ليست مصداقيتها فحسب، وإنما تضع مصداقية الأمم المتحدة ومجلس أمنها على محك الصدق في التوجه، والصواب والدقة في العمل.
لذلك فإن الرهان لا يزال قائمًا على عقلاء العالم أن يستشعروا الخطر ويبحثوا في الأسباب الحقيقية وراء انتشار هذه الظاهرة المدمرة، ويعلنوا بكل تجرد وشفافية عن الدول والقوى الداعمة والمتحالفة مع الإرهاب وعصاباته، ويواجهوها بالأدلة، فإذا كان في السابق تُرجَع الأسباب وراء آفة الإرهاب إلى أشكال الظلم التي لحقت بالشعوب، سيجدون أن هناك تحولًا كبيرًا في الأسباب بوقوف دول وقوى وكيانات وراء تغذية آفة الإرهاب ودعمها وإيجاد البيئات الحاضنة والخصبة لتفريخ المزيد من عصاباته. كما أنه بدون إجراء مراجعة نقدية إصلاحية لدعائم النظام الدولي الحالي وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة ومجلس أمنها، ستظل رقاب العالم تحت سواطير الإرهاب وقواه الداعمة والمشغِّلة والمنفذة، ويصبح السلم والأمن الدوليان خبرًا عاديًا من أخبار نشرات الطقس، وسيظل إدمان الكذب والتقنع بأقنعة مغشوشة غطاءً مفضلًا لدى البعض لانتهاك سيادة وحرية وكرامة أمم وشعوب في هذا العالم.