كاظم الموسوي:
ليست مفاجأة هذه الإهانات العنصرية، وليست الأخيرة طبعا، ولكنها الأحدث والأغرب في سياقها في المملكة المتحدة. فقد طالت اللاعبين البريطانيين، ماركوس راشفورد، جايدون سانشو وبوكايو ساكا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، على خلفية إهدارهم لركلاتهم الترجيحية أمام حارس مرمى الفريق الإيطالي في نهائي كأس أوروبا لكرة القدم، ما أدى إلى خسارة منتخب "الأسود الثلاثة" 2-3 بعد التعادل 1-1 في الوقتين الأصلي والإضافي على ملعب ويمبلي الشهير. وكان مدرب الفريق جاريث ساوثجيت قد أدخل راشفورد وسانشو في الدقائق الأخيرة من الشوط الإضافي الثاني بهدف تنفيذ ركلات الترجيح، معتمدا أيضا على البديل الآخر ساكا. لكن اللاعبين، ذوي البشرة السوداء، أخفقوا في محاولاتهم، ما جعلهم عرضة للإساءة العنصرية على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا الأمر حصل في الرياضة، التي ترادفها مصطلحات بعيدة جدا عن روح ما حملته تلك الحملات المسيئة. وهذه فضيحة للتناقضات المتفشية.

الأمر الذي دفع رئيس الوزراء بوريس جونسون (12 تموز/يوليو 2021) إلى استنكار تلك الإساءات، مُغرِّدا عبر "تويتر" "المنتخب الإنجليزي يستحق الإشادة به كبطل وليس التعرض للإساءة العنصرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي". وأضاف رئيس الوزراء "هؤلاء المسؤولون عن هذه الإساءة الفظيعة يجب أن يخجلوا من أنفسهم".

كما رد الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم على "تويتر" "نشعر بالاشمئزاز لأن بعض أعضاء فريقنا الذين قدموا كل شيء للفريق هذا الصيف، تعرضوا لإساءات تمييزية عبر الإنترنت بعد مباراة الليلة"، مشددًا "نحن نقف بجانب لاعبينا". وتابع في بيان منفصل "الاتحاد الإنجليزي يدين بشدة جميع أشكال التمييز وهالَهُ ما صدر من عنصرية على الإنترنت تستهدف بعض لاعبي إنجلترا على وسائل التواصل الاجتماعي". وشدد "لا يمكننا أن نكون أكثر وضوحًا بأن أي شخص يقف خلف مثل هذا السلوك المثير للاشمئزاز غير مرحَّب به في متابعة الفريق".

وأفادت شرطة لندن أنها تحقق في منشورات "مسيئة وعنصرية"، موضحة في تغريدة على "تويتر" "نحن على علم بعدد من التعليقات العدائية والعنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي موجَّهة ضد لاعبي كرة القدم بعد نهائي كأس أوروبا 2020". وتابعت "هذه الإساءة غير مقبولة إطلاقًا ولن يتم التسامح معها وسيتم التحقيق فيها". واتخذ لاعبو إنجلترا موقفًا قويًّا ضد العنصرية في البطولة وركعوا قبل مبارياتهم الأخيرة.

شاركت وزيرة الداخلية بريتي باتل: أشعر بالاشمئزاز لتعرض بعض اللاعبين الإنجليز الذين قدموا الكثير لبلادنا خلال الصيف الحالي لإساءة عنصرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
عكست هذه الأقوال عمق الإهانات والإساءات التي حصلت وعبَّرت عن ما هو خفي أو ما وراء ما ظهر على الواجهة.. فقد أظهرت حركة "حياة السود مهمة" وتظاهراتها أن العنصرية ثقافة متغلغلة في مجتمعات غربية كثيرة، ومنها المجتمع البريطاني.
كشف استطلاع للرأي جديد موَّلته صحيفة "الاندبندنت" البريطانية ونشرت مقالا عن نتائجه، (2021/04/05) أن شريحة كبيرة من البريطانيين تعتقد بوجوب أن تشرع المملكة المتحدة في التصدي لمشكلتها المستفحلة المتمثلة في العنصرية.

ورأى كثيرون ممن شاركوا في ذلك الاستطلاع أن مؤسسات بريطانية عدة، بدءًا من الحكومة والشرطة ووسائل الإعلام، وصولًا إلى الأسرة الملكية، تشكِّل مؤسسات عنصرية. ووفق الدراسة الاستطلاعية التي أجرتها مؤسسة "بي أم جي" BMG بطلب من الاندبندنت"، فإن نسبة الأشخاص الذين يعتقدون بعنصرية المؤسسات البريطانية تزيد على نحو لافت في أوساط السود والآسيويين والأقليات الإثنية (الذين يعرفون في بريطانيا بمجتمع الــ"بامي" Bame، اختصارًا لعبارة Black, Asian & Minority Ethnic).
وبالتزامن مع نشر تقرير "هيئة النظر في العنصرية والتمييز العرقي" بعد مرور أربعة أشهر على الموعد الذي يُفترض نشره فيه، جاءت الدراسة الاستطلاعية الجديدة كي تُبين أن قرابة ثلث الأشخاص المستطلعين المتحدرين من أقليات إثنية (31 في المئة)، يرون في حزب المحافظين حزبًا عنصريًّا. في المقابل، يتبنى 20 في المئة من عموم البريطانيين (من مختلف الأعراق) ذلك الرأي، الأمر الذي يُشير إلى اختلاف في وجهات النظر مرده إلى تمايز في واقع العيش، وفق مقال الصحيفة.
إذ رأى واحد من كل ثلاثة بريطانيين (33 في المئة) أن قوى الشرطة عنصرية، فيما ترتفع نسبة أصحاب هذا الرأي إلى 42 في المئة، بين المستطلعين المتحدرين من أقليات إثنية. كذلك كشف الاستطلاع أن ما يناهز ثلث البريطانيين المتحدرين من أقليات إثنية (33 في المئة) يعتقدون أن الصحف الشعبية في بريطانيا عنصرية، فيما شاركهم هذا الرأي أكثر من ربع البريطانيين من مختلف الأعراق (28 في المئة).
وعلى نحوٍ مماثل، بشأن سؤال الاستطلاع عن التماثيل والنصب التاريخية وأسماء الشوارع المرتبطة بماضي بريطانيا الاستعماري، رأى قرابة نصف المستطلعين المتحدرين من أقليات إثنية أنهم يودون إزالتها وتغييرها، وقد وافق على ذلك قرابة خُمس البريطانيين من الأعراق كافة (22 في المئة).
ورأت نسبة واحد من كل أربعة بريطانيين من أوساط الـ"بايم"، أن الأسرة الملكية عنصرية. وفي المقابل، وافق 22 في المئة من إجمالي البريطانيين (من مختلف الأعراق) على ذلك الرأي الذي جاء متزامنًا مع دخول الأسرة الملكية البريطانية في قلب سجال حول العنصرية، إثر مقابلة أجرتها الإعلامية الأميركية أوبرا وينفري مع ميجان ماركل والأمير هاري، دوقة ودوق ساسكس.

حسب ما جاء في الصحيفة، رأى رئيس قسم الاستطلاعات في "بي أم جي"، روبيرت ستروذيرس، أن "استطلاعنا يظهر أن واحدا من كل خمسة بريطانيين يعتبرون الأسرة الملكية عنصرية، ما يشكل معدلًا يرتفع على نحو لافت في أوساط الأشخاص المتحدرين من أقليات عرقية". وحرضت مقابلة ميجان وهاري التلفزيونية، الإهتمام بالموضوع "فإن الأسرة الملكية ليست وحدها على الإطلاق معنيَّة بالأمر. وفي الحقيقة، يُظهر استطلاعنا أن نسبة قليلة من الأشخاص تُعد الأسرة الملكية أسرة عنصرية، بالمقارنة مع الرأي نفسه تجاه مؤسسات أخرى عدَّة". ويوضح ستروذيرس تلك المسألة، "مثلًا، ثمة عدد متعادل تقريبًا من الأشخاص يعتبر أن حزب المحافظين لديه مشكلة تتعلق بالتمييز العرقي، حتى أن هناك نسبًا أعلى من الأشخاص يرون (العنصرية) سائدة في وسائط التواصل الاجتماعي، والصحافة المطبوعة، والشرطة". إذ يُظهر الاستطلاع أن ضعفي عدد الاشخاص في الأوساط غير البيضاء، بالمقارنة مع الأوساط البيضاء، يوافقون مع ميجان، بمعدل 45 في المئة، فيما يبلغ ذلك المعدل في أوساط البيض 21 في المئة.
تكشف هذه الأرقام والإحصاءات نسب المشكلة في مجتمع متعدد الأعراق والأديان والثقافات، وتعطي دروسا تاريخية وعِبرا بشرية لآفاق إنسانية تقتضي معالجتها للمصلحة العامة.