د. يوسف بن علي المُلَّا:
في ضجَّة الحياة اليومية، ينسى الناس أن يشكروا أصدقاءهم، أو قريبًا لهم، بل وشريكهم بالحياة على الأشياء التي لا تعد ولا تحصى والتي يقومون بها لهم. ولعلَّ فترة الجائحة هذه (كوفيد19)، وجزمًا الآن يمكن أن تكون هي اللحظة المثالية للتراجع، وإعادة تقييم كيفية إظهار الامتنان لكلِّ شيء. وهنا أتحدث عن غرس فضيلة وخلق إنساني بل ومشاعر نبيلة يجب أن نعيَها نحن البالغون قبل أن يتعلَّمها الأبناء!

قد تتفق معي في أنَّ هذا أصعب مما يبدو عليه، حيث نلاحظ أنَّ إحدى حقائق العلاقات طويلة الأمد (كالصديق بصديقه وشريك الحياة بشريكه أو شريكته) هي مسألة التعوُّد ـ وتلك الاستجابة المتضائلة لأفعال الآخرين المهمِّين بحياتنا بمرور الوقت. بمعنى آخر، أخذ صديقك أو قريبك كأمر مسلَّم به. وعلى الأرجح فهنالك تحدٍّ آخر وأعتقد أنَّه الشائع: وهو عدم قدرة البعض على الملاحظة وبشكل يومي لتلك السُّبل التي يستخدمها الأحباء والمقرَّبون لجعل حياتنا أكثر سلاسة. وإن لم أخطئ، فبعض الأفراد يميلون إلى المبالغة في تقدير جهودهم في أي علاقة (أكانت صداقة أو قرابة وأيضًا زوجية)، والتقليل من حجم العمل الذي يُسهم به الطرف الآخر أو شريكه.

ومع ذلك، عندما يعترف الأصدقاء أو الأقرباء ـ على سبيل المثال ـ ويقدِّرون بعضهم البعض، فإنَّ ذلك ـ بلا شك ـ يخلق تأثيرًا وقائيًّا، يساعدهم في عزل أولئك الأصدقاء أو الأزواج عن أنماط الاتصال السلبية مثل الإفراط في النقد أو تجنب الصراع. فإن كان أحد الزوجين ـ مثلًا ـ يقول أو يفعل شيئًا قاسيًا بعض الشيء، ألم تلاحظ يومًا أنَّ الآخر سينتقم بقسوة أكبر، ليخلق سباقًا نحو القاع. وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ الامتنان يعمل بشكل عكسي: إذا شعرت بالتقدير لأفعالك، فمن المرجَّح أن تفعل المزيد من الأشياء اللطيفة لشريكك، مما يجعل شريكك يقوم ربَّما بأعمال لطيفة لك، وتستمر دورة الحياة.

وبشكل ما، فإنَّ ذلك الامتنان واعترافك بالجميل مع الآخرين سيؤدي بكلِّ تأكيد إلى تغيير إيجابي في حياتك، لا سيَّما وأنَّ الشكر يجلب الصحة والسعادة، ويرفع لك ذلك الإحساس العالي بالتواصل، ناهيك أنَّه يخلق طاقة إيجابية تعزز المناعة، وتدحض الحسد وطاقته السلبية.

وهذا يقودنا إلى نقطة جوهرية، ألا وهي أنَّ التعبير عن الامتنان الذي يبرز مقدار ما اكتسبته، من تصرفاتِ أحد أفراد أُسرتك معك ـ مثلًا ـ هو أيضًا أكثر فاعلية من التعبير الذي يبرز ما كلَّفهم. وبرغم ذلك لا أستطيع القول بأنَّ الامتنان علاج لجميع المشكلات، خصوصًّا وأنَّ مشكلات العلاقات الأسرية كالإساءة العاطفية أو الجسدية لا يمكن تجاهلها أو تغطيتها بتقدير سطحي!

لذلك قد أذهب للقول هنا: بأنَّه لا ينبغي لممارسة الامتنان أن تعني التأدب الإجباري أو إلقاء الشكر الفاتر عندما لا تشعر بالرغبة في ذلك! بل الأجزل أنَّه عندما يسمح لك تقديرك الحقيقي بمشاركة تلك الإيجابية مع قريبك وشريكك... أن تستغِلَّ اللحظة!

طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي