قبل أنْ تفاجئنا بشائر الغَيْث المنهمر جرَّاء المنخفض الجوي "منخفض الحج" لم يكُنْ أحد يتوقع أنْ تكون كميَّة المياه بهذه الغزارة في المحافظات والولايات التي انهمر عليها غيث المنخفض المداري، فينتج عنها خسائر كبيرة في الممتلكات على النَّحْو الذي يراه الجميع، ويعايشه أهالي الولايات المتأثرة بالأنواء المناخية، ذلك أنَّ هذا المنخفض المداري ليس الأوَّل الذي يقع غَيْثه على هذه الأرض الطيِّبة، وإنَّما كانت هنالك أنواء مناخية استثنائية وحالات مدارية متعدِّدة.
لقد تضافرت الرياح والأمطار والسيول أثناء المنخفض المداري لتُخلِّف هذا القدر اللافت من الخسائر، وتُحدِث أضرارًا في ممتلكات المواطنين، حيث أدَّت غزارة الأمطار الشديدة إلى جريان قوي للأودية وارتفاع مناسيب المياه، وتَكَوُّن البِرَك المائية لتغمر المنازل والطرق والمؤسسات الحكومية والخاصة، ومحطات الكهرباء، والمستشفيات، وتأثُّر منازل وانهيار بعضها، الأمر الذي دفع سكَّانها إلى تركها والانتقال إلى أماكن آمنة.

إنَّ السلطنة ليست استثناء فيما يتعلَّق بالأنواء المناخية، وإنَّما حالها حال جميع دول العالم التي تتأثر بين حين وآخر بأنواء مناخية، وكوارث طبيعية، على النَّحْو المشاهد حاليًّا في كُلٍّ من الصين وأوروبا وقبل ذلك اليابان وغيرها وما تسبَّبت فيه هذه الأنواء من خسائر، لكن يبقى المعيار الأهم مع كُلِّ تطور مناخي، أو حالة مدارية أو كارثة طبيعة هو ما تُبديه الدولة من استجابة واستعداد، وما تبذله من جهود وأعمال للحدِّ من الآثار والخسائر، والحفاظ على سلامة أرواح المواطنين، والعمل على تأمين متطلباتهم الضرورية لتجاوز هذه المحنة التي حلَّت بهم والخارجة عن الإرادة.

فما قامت به ـ ولا تزال ـ الجهات المعنيَّة، وفي مقدِّمتها قوات السلطان المسلحة وشرطة عُمان السلطانية وهيئة الدفاع المدني والإسعاف من دور وطني كبير ومشهود يُثلج الصدر، حيث مع كُلِّ ظرف أو تطوُّر مناخي تنبري هذه الجهات ورجالها الأشاوس لتلبية نداء الوطن وحماية المواطن والقيام بما يتوجب عليهم، وتسخير إمكاناتهم كافَّة والتضحية من أجل إنقاذ أرواح من تهددهم الأنواء المناخية.

إنَّ ما تقدِّمه تلك الجهات ومعها مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات خيرية ومتطوعين يرسم ـ كالعادة ـ الصورة الوطنية العمانية المشرِّفة، ويؤكِّد أنَّ هذا التَّكاتف والتَّكامل والثِّقة هو أيقونة عمانية بامتياز، ويعكس مدى التَّلاحم والتَّرابط والتَّعاون، والمسارعة في عمل الخير، ومساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف.

فالعمل الوطني ـ وكما رصدته الوطن في ولاية صور وغيرها ـ متواصل، من حيث شفط مياه الأمطار من محطات توليد الكهرباء التي غمرتها المياه وتسبَّبت في انقطاع التيار الكهربائي، وشفط المياه من المؤسسات الصحيَّة والمستشفيات الحكوميَّة، بالإضافة إلى شفط التجمُّعات والبِرَك المائية بالأحياء السكنية، والتعامل مع الانسدادات في خطوط وأنظمة تصريف مياه الأمطار على بعض الطرق الرئيسية والفرعية، وذلك لضمان فتح الطرق أمام الحركة المرورية والعمل على انسيابيتها بأقصى سرعة بالتَّعاون مع شركات القطاع الخاص. كما تعمل المؤسسات الخدمية بولاية صور على رصد الآثار الناجمة عن هطول الأمطار، حيث تمَّ الوقوف على الطرق المتأثرة وإزالة الأتربة والأحجار المتساقطة نتيجة جريان الشعاب المائية، وإزالة العوالق والمخلَّفات من الطرق لتسهيل الحركة المرورية.

ويتزامن مع تلك الجهود الوطنية الرائعة، زيارات المسؤولين إلى الولايات المتأثرة بالأنواء المناخية (صور وشناص تحديدًا) والذين التقوا بالمواطنين في الولايتين، ووقفوا ـ عبرهم ـ من قرب على الاحتياجات والمتطلبات، والأسباب التي أدَّت إلى حدوث هذه الآثار، وهو ما يتطلب البناء عليه من حيث التخطيط العمراني، ورسم المخططات السكنيَّة، ومراعاة التضاريس والجغرافيا، وبُعدها عن الأودية والشعاب، وكذلك مراعاة جودة البناء والتسليح والتشديد على ذلك، والتخطيط السليم عند إنشاء الطرق ومجاري تصريف المياه؛ منعًا من تكرار مثل هذه الآثار.. حفظ الله الجميع من مخاطر هذه الأنواء. وكُلُّ الشكر لكُلِّ يدٍ حانية كريمة امتدَّت لتداوي الجراح وتُخفِّف من الألم، وتُعيد الأمل، وترسم البسمة من جديد.