نستكمل في هذه المقالة حديثنا عن الحماية التشريعية لأجر العامل في قانون العمل العماني ونخصصها لبيان الحالات التي بموجبها يجوز لصاحب العمل الاقتطاع من أجر العامل... ونكتفي في هذه المقالة لنتحدث عن صورتين أو حالتين - في اعتقادنا- أكثر الحالات شيوعا في الواقع العملي. أول هذه الحالات عندما يفرض على العامل جزاءات تأديبية "فقد سبق وأوضحنا طبيعة العلاقة التي تربط العامل بصاحب العمل من أنها علاقة تبعية قانونية- تفسير ذلك- أن العامل يجب أن يعمل تحت إدارة واشراف صاحب العمل وأن يخضع لتعليماته وأوامره وأن ينفذها وفق ما هو مطلوب منه- طالما كانت تلك التعليمات لا تخالف نصوص القانون. وبالتالي قد يحيد العامل عن تلك التعليمات التي أسندها اليه صاحب العمل مما يصيب هذا الأخير أضرارا عدة نتيجة ذلك الحياد فيجوز عندها لصاحب العمل توقيع جزاءات مالية. وحرصا من المشرع العماني على حماية أجر العامل من تعسف صاحب العمل ومبالغته في ايقاع الجزاءات المالية، فقد قيد المشرع صاحب العمل عند اقتطاع أجر العامل في حالة ارتكاب هذا الأخير المخالفة بحدود معينة منها أنه لا يجوز لصاحب العمل أن يقتطع من أجر العامل عن المخالفة الواحدة غرامة تفوق أجر خمسة أيام، كما أنه لا يجوز له أن يوقف العامل تأديبيا عن العمل وحرمانه من الأجر كله أو بعضه عن المخالفة الواحدة مدة تزيد على خمسة أيام. استنادا للمادة (31) من قانون العمل "لا يجوز لصاحب العمل أن يوقع على العامل عن المخالفة الواحدة غرامة تزيد قيمتها على أجر خمسة أيام أو أن يوقفه تأديبيا عن العمل مع حرمانه من الأجر كله أو بعضه عن المخالفة الواحدة مدة تزيد على خمسة أيام..." ولم يكتف المشرع بذلك- وحسنا فعل- بل مد نطاق حماية أجر العامل عندما قيد سلطة صاحب العمل حيث لم يجز له الاقتطاع من أجر العامل حتى في حالة تعدد الغرامات بتعدد المخالفات عن أجر خمسة أيام في الشهر الواحد وكذا الحال في حالة وقفه عن العمل وهذا ما أكدت عليه الفقرة الأخيرة من المادة (31) من ذات القانون "... وفي جميع الأحوال لا يجوز أن توقع على العامل أكثر من عقوبة عن المخالفة الواحدة أو أن يقتطع من أجره وفاءا للغرامات التي توقع عليه أكثر من أجر خمسة أيام في الشهر الواحد أو أن تزيد مدة وقفه عن العمل مع حرمانه من الأجر كله أو بعضه على خمسة أيام في الشهر الواحد." ومع تقديرنا للمشرع في هذا الشأن الا أنه يؤخذ عليه أنه لم ينص على الزام صاحب العمل بتخصيص المبالغ المحصلة عن فرض تلك الجزاءات على رفاهية العمال ثقافيا واجتماعيا وترفيهيا ونقترح على المشرع أن يعيد النظر في ذلك. وثاني هذه الحالات "حالة اقتراض العامل من صاحب العمل" فقد أجازت المادة (58) من ذات القانون لصاحب العمل الاقتطاع من أجر العامل مقابل ما قدمه من قرض مالي شريطة ألا يزيد ما يتم اقتطاعه في الشهر على 15% من الأجر، حيث جرى نص هذه المادة بالقول "لا يجوز لصاحب العمل أن يقتطع من أجر العامل أكثر من 15% وفاء لما يكون قد أقرضه من مال أثناء سريان العقد ولا أن يتقاضى عن هذه القروض أية عوائد ويسري ذات الحكم على الأجور المدفوعة مقدما..." ولعل المشرع هنا أضاف بعدا اجتماعيا آخر من خلال توثيق العلاقة التي تسود العامل بصاحب العمل فمن المؤكد وقوف صاحب العمل مع العامل في ظروفه الصعبة بمده ما يعوزه العامل من مبالغ مالية له أبعد الأثر في نفس هذا الأخير، خاصة وأن المشرع لم يجز لصاحب العمل أن يتقاضى عن القرض أية عوائد مالية... بهذه المقالة نختم موضوع "الحماية التشريعية لأجر العامل" ونأمل أن نكون قد وفقنا في بحث هذا الموضوع... ولمزيد من الفائدة يمكن للقارئ الرجوع الى قانون العمل العماني رقم (35/2003)... مقالاتنا القادمة- ان شاء الله- مع موضوع آخر.

سالم الفليتي
محام ومستشار قانوني
كاتب وباحث في الحوكمة والقوانين التجارية والبحرية
[email protected]