رئيس مركز استشارات علوم الأرض:
جنوب شبه الجزيرة العربية عامر بالوجود
البشري منذ آلاف السنين وخلال العصر الحجري الحديث كان مستقرا لجماعات بشرية كبيرة

كتب ـ يوسف الحبسي:
وثَّقت ورقة علمية للدكتور محمد بن هلال الكندي رئيس مركز استشارات علوم الأرض لأول مرة عمليات تبادل “ربما تجارية” في جنوب شبه الجزيرة العربية “السلطنة واليمن والمملكة العربية السعودية” تعود إلى العصر الحجري الحديث أي قرابة 8 آلاف عام لصخور “nephrite” أو “اليشم” مع ظهور مجتمعات الرعي في المنطقة. وقال الدكتور محمد بن هلال الكندي، رئيس مركز استشارات علوم الأرض لـ”الوطن”: إن الدراسة توثق لأول مرة عمليات تبادل تجارية أو ربما تكون تجارية في جنوب شبه الجزيرة العربية لصخور تعرف بصخور اليشم اسمها العلمي “nephrite” وهي صخور مائلة إلى الاخضرار وتمتاز بالصلابة، إذ استخدمت في مناطق كثيرة في العالم للطقوس أو التمائم أو كعملات أيضًا في فترات ما قديمًا وربما للخصائص العلاجية، إذ اقتنع بها الإنسان ما قبل التاريخ .. مشيرًا إلى أن صخور اليشم تم العثور عليها في محافظة ظفار، كما تم بعد ذلك توثيق مجموعة منها في العديد من المتاحف العالمية، إذ تبين مدى انتشار هذه الصخور في رقعة شاسعة بجنوب شبه الجزيرة العربية بينها اليمن، كما تم العثور على صخور مشابهة لها بالمملكة العربية السعودية، حيث تظهر هذه الآثار أن المجتمعات القديمة أي قبل نحو 7 ـ 8 آلاف عام من الآن وخلال العصر الحجري الحديث مع بداية ظهور مجتمعات الرعي في شبه الجزيرة العربية، إذ تظهر أن هناك تبادلا تجاريا وتواصلا بين هذه الشعوب في تلك الحقبة من التاريخ.

وأشار إلى أن صخور اليشم تبقى أحد ألغاز سبب اهتمام الإنسان القديم بها، إذ تبقى هذه الصخور مقدسة في كثيرة من دول العالم منها ـ على سبيل المثال ـ الصين وفي المجتمعات القديمة في سويسرا وبريطانيا وتركيا وإيطاليا والعديد من الدول الأخرى، حيث استخدم مثل هذه الصخور في الطقوس وكتمائم، وتشير الصخور إلى العلو في القوم والهيبة، إذ صنع منها أشكال مختلفة في أماكن عديدة من العالم، ولا يزال السر وراء انجذاب الإنسان القديم لهذه الصخور غير معروف، ولكن العديد من البلدان لفترات متأخرة اهتمت بهذه الصخور، وأذكر قصة لإحدى العيِّنات من صخور اليشم والتي حللناها من محافظة ظفار تم أخذها من أحد القاطنين في جبل سمحان ورثها من جدته التي عثرت على هذه الصخرة في جبل سمحان وورثتها إلى أحفادها نتيجة ربما ندرة هذه الصخور أو قدسيتها، وهناك شعور لدى الإنسان بأهمية هذه الصخور لكنه لم يعرف للآن. وأضاف: مع بداية البحث عثرنا على عيِّنة في ولاية المزيونة خلال بحث أثري جيولوجي، ثم قمنا بتصوير عيِّنتين أخذها الرحال البريطاني الشهير ويلفريد ثيسيجر خلال عام 1944 ـ 1945 والمحفوظة الآن في المتحف البريطاني، إذ تمكنا من الوصول للعيِّنتين وتصويرهما وتحليلهما، كما قمت لاحقًا بتحليل ثلاث عيِّنات قام بجمعها الرحالة والأثرية البريطانية الشهيرة كيتون من اليمن في عام 1939 بالإضافة إلى تحليل ثلاث عيِّنات أخرى تم العثور عليها في سمهرم ربما تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، وعيِّنة أخرى عثر عليها في خور روري ومحفوظة في متحف أرض اللبان بمحافظة ظفار، وإحدى هذه العيِّنات دفعت في أحد جدران سمهرم مما يدلل على اهتمام الإنسان بهذا النوع من الصخور التي ربما ترقى إلى كونها أحد الكنوز بحسب مرئيات الإنسان في تلك الحقبة. وأكد الكندي أن جنوب شبه الجزيرة العربية عامرة بالوجود البشري مثل مئات آلاف السنين وذكرت في فترة العصر الحجري الحديث خصوصًا على أنها مستقر لجماعات بشرية كبيرة حتى أن الكثير من المؤرخين العرب ذكروا أن قوم عاد الذين جاؤوا بعد قوم نوح إنما عاشوا في تلك المناطق من شبه الجزيرة العربية، خصوصا تلك المتاخمة لصحراء الربع الخالي، والمتفحص للمنطقة يرى الكثير والكثير من الآثار التي استخدمها الإنسان قديمًا كالسهام والرحى، وتدلل أيضًا على أن هذه المناطق كانت خضراء وصالحة للرعي والصيد قديمًا، كما تشير الأدلة المناخية القديمة إلى أن شبه الجزيرة العربية عاشت خلال تلك الفترة في مناخ مطير ثم تحولت تدريجيًّا إلى صحارى لينتقل بعدها الاستيطان البشري والحضاري إلى شمال شبه الجزيرة العربية ومناطق أخرى ساحلية.