ناصر بن سالم اليحمدي:
الحالة المناخية (منخفض الحج) التي تعرضت لها بعض مناطق السلطنة مؤخرا، خصوصا في ولاية صور ونيابتها، تُعد بمثابة جرس إنذار للتحذير بضرورة الإسراع في اتخاذ إجراءات أكثر تحوطا لتجنب الآثار السلبية التي تسببها الأمطار الغزيرة، والتي احتلت هذه المرة المركز الخامس على مستوى العالم في مستوى منسوب المياه المتساقطة خلال 24 ساعة، والتي أدَّت بدورها إلى جريان الأودية والشعاب في مناطق وقرى الولاية ونيابتها، وامتلاء الشوارع والطرقات ودخول المياه إلى المنازل القريبة من الأودية والبحر، مما أدَّى إلى تلف ما تحتويه من أجهزة وأثاث ومأكل ومشرب وغيرها من الاحتياجات الأساسية، بالإضافة إلى تلف المحاصيل وفقد الحيوانات والسيارات.. كما امتلأ سد الحماية عن آخره مُسبِّبا فيضانا أدَّى إلى حدوث خسائر مادية في البنية التحتية للولاية والممتلكات العامة والخاصة، ناهيك عن انهيار جزء من أحد المنازل الأثرية القديمة بمنطقة العيجة.. إلى آخر هذه الخسائر التي أحدثها منخفض الحج والتي وثقتها صور وفيديوهات المواطنين على الإنترنت.
وكالمعتاد أظهرت هذه المحنة مثل سابقتها المعدن الأصيل للعمانيين الذين هبوا لمساعدة إخوانهم في المناطق المتضررة، وبذلت الجهات الحكومية ـ كل حسب اختصاصها ـ جهودا كبيرة لاحتواء الأزمة، وتخفيف الأضرار والتعامل مع الوضع بحكمة.
بالطبع لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تسبب الأنواء المناخية أضرارا، ولن تكون الأخيرة، من هنا يثور تساؤل: كيف يمكن تفادي أضرار مثل هذه الأنواء في المرات القادمة؟ فلا بُدَّ من تحليل الأزمة الأخيرة والنظر في الثغرات التي تؤدي إلى وقوع المشاكل، والبحث عن حلول لتقليل الآثار السلبية التي تسبب الخسائر المادية وأحيانا البشرية، لا سيَّما أننا نسير في درب نهضتنا المتجددة، ولا نريد أن يقف في طريقنا أي عوائق قد تعطل المسيرة الناجحة.
للأسف مفيض السَّد زاد الطين بلة في الحالة المدارية الأخيرة، وبدلا من أن يكون حماية للمواطنين أصبح مصدر تهديد لهم؛ لأنه كان مصدرا لدخول المياه إلى منازلهم بمستويات خطيرة أدَّت إلى تلف ممتلكاتهم بالكامل إلى جانب تعرض حياتهم للخطر.. ومما يؤسف له أنها ليست المرة الأولى، فمفيض السَّد متكرر؛ لذلك لا بُدَّ من إعادة النظر في تصميم السَّد والعمل على توسعته وزيادة قدرته الاستيعابية للاحتفاظ بمعدل مرتفع من المياه المتساقطة، على أن يتم هذا التوسع في معظم السدود بمختلف المحافظات والولايات والتي مضى على بنائها عقود، مع بناء المزيد من السدود لتحقيق سلامة الأرواح والممتلكات، والتحوط مما قد تتعرض له البلاد في المستقبل، خصوصا أن مثل هذه الحالات المدارية زادت بفعل الاحتباس الحراري.
كما تعلمنا هذه المحنة ضرورة عدم بناء المنازل وكافة مشاريع البنية الأساسية في المناطق المنخفضة، وحول مفيض السدود وعلى ضفاف الأودية حتى لا تتعرض للغمر، بل يجب البناء في مناطق مرتفعة وآمنة وبعيدة عن مناطق الخطر بمسافة كافية فالاحتياط واجب.
ندعو الله أن يحمي عُماننا الغالية من كل سوء، وأن يقيها شر الأزمات، ونتمنى لجميع المواطنين السلامة، وأن يجعل غيثنا دائما سقيا خير وبركة ونماء ينتفع بها البلاد والعباد.. إنه نعم المولى ونعم النصير.
* * *
رغم مرور أكثر من سبع سنوات ما زال اتفاق باريس للمناخ ينتظر التطبيق لينقذ البشرية من ظاهرة الاحتباس الحراري التي تهدد المعمورة بأكملها.. والاجتماع الأخير لوزراء البيئة الـ51 في لندن لمناقشة القضايا المزمع إقرارها في قمة جلاسكو البريطانية نوفمبر المقبل محاولة جديدة للعبور بالاتفاق في طريق التنفيذ من خلال مناقشة تلك القضايا بعيدا عن الرسميات وبصورة مغلقة؛ لكي تبدي كل دولة ما لديها من أفكار وحلول وقَبول أو رفض.
للأسف، كثير من الدول لا تدرك أن الكوارث التي يسببها الاحتباس الحراري تفوق بكثير جدا تأثير جائحة كورونا وغيرها من الأوبئة التي دمَّرت البشرية.. فانبعاثات الكربون وزيادة درجة حرارة الأرض تؤدي إلى وقوع كوارث طبيعية، شاهدنا العديد منها في السنوات الأخيرة، وتزداد وتيرتها عاما بعد الآخر مثل الفيضانات العارمة في بعض المناطق بينما الجفاف الشديد في مناطق أخرى والأعاصير وحرائق الغابات التي تُعد الرئة التي تتنفس بها الأرض وارتفاع درجة حرارة الجو حتى في أكثر المناطق برودة لدرجة أدَّت إلى ذوبان جليد القطبين وغير ذلك من الكوارث التي نقرأ عنها بصورة متسارعة.
لا شك أنه لم يعد أمام دول العالم أي خيار سوى الالتزام بخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري، والتقيد بالجدول الزمني الذي صدر عن قمة باريس للمناخ حتى يتحقق الهدف المنشود، وهو الحدُّ من الاحتباس الحراري عند 1,5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة.. فهذا سيقلل الآثار السلبية التي تدمِّر كوكبنا الصغير شيئا فشيئا.
الغريب أن هناك بعض الدول لم تنضم بعد لاتفاقية باريس للمناخ وكأنها تعيش في كوكب آخر ولا يهمها شأن أرضنا التي نتشارك فيها جميعا.. لذلك لا بُدَّ من التحرك سريعا وإجبار مثل هذه الدول على الانضمام للاتفاقية، ولا بُدَّ من وضع آلية لتنفيذ بنودها التي لم تعد اختيارا.. فالتقدم العلمي الذي حققه الإنسان على مدار القرون الماضية، ويخشى عليه الكبار من التباطؤ إذا ما تم وضع بنود الاتفاقية موضع التنفيذ، سوف ينهار ويتلاشى ويضيع إذا لم يلتزم الجميع بهذه البنود في ظل الارتفاع المستمر لحرارة الأرض والذي يؤثر على الحياة البرية والبحرية وجميع مخلوقات الدنيا بما فيها الإنسان.
إن البقاء على الأرض لم يعد للأقوى، بل للأذكى، وهذا يحتاج تكاتف الجميع لمواجهة الخطر المحدق بنا من كل جانب، فالتغير المناخي أصبح وحشا كاسرا ولا بُدَّ من تحجيمه حتى لا تفنى البشرية.