تُعدُّ قضية الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي إحدى القضايا العالقة بين الفلسطينيين وكيان الاحتلال الإسرائيلي، فهي قضية تتصدر أولويات الكيان المحتل من الجانب الديمغرافي الذي يلعب عليه قادة كيان الاحتلال الإسرائيلي. وكما هو معروف عن طبيعة هذا الكيان الغاصب منذ إقامته على أنقاض فلسطين على يد الاستعمار البريطاني ومعه الفرنسي، يعتمد في استمرار بقائه خنجرًا مسمومًا في خاصرة الوطن العربي على أمرين؛ الأول وهو وجود قوى كبرى تحميه وتقدِّم له كُلَّ ما يحتاجه من الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي، والثاني استمرار تدفُّق الهجرات اليهودية من أوروبا وروسيا وغيرهما إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي؛ وذلك لضمان التفوُّق الديمغرافي وتعزيز القوَّة البشرية بجانب التفوُّق العسكري يواكب توسع مشروع الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة وخارجها.

لذلك تظل قضية الأسرى الفلسطينيين من القضايا الأساسية التي يعمل كيان الاحتلال الإسرائيلي بجانب قضية القدس المحتلة، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، على تصفيتها، وعدم الاعتراف بها، وقد وقف الجميع على اللاءات التي رفعها قادة الكيان الغاصب، وفي مقدِّمتهم بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال السابق، رغم أنها تُعدُّ من قضايا الحلِّ النهائي، حيث العامل الديمغرافي هو الذي لا يزال يمثِّل قلقًا لدى هذا الكيان الغاصب. لذا لا غرو من السياسات الجائرة التي تتَّبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأسرى الفلسطينيين من حيث التَّنكيل بهم، وانتهاك حقوقهم وإجراء الاختبارات البيولوجية عليهم، وسرقة أعضائهم وغيرها من الأساليب الإجرامية والوحشية التي ترتكب ضدهم، والهدف من ذلك واضح، وهو التخلُّص منهم بإبادتهم، ومنعهم من الحصول على حقوقهم التي من بينها حق الزواج والإنجاب، كذلك لا عجب أنْ تنفِّذ سلطات الاحتلال الإسرائيلي حملات اعتقال ممنهجة يوميًّا ضد الفلسطينيين (أطفالًا ونساءً، شبابًا وشاباتٍ) والزَّج بهم في السجون الإسرائيلية بدون تهم وعدم محاكمتهم، وهذا أحد الأساليب التي يتَّبعها كيان الاحتلال الإسرائيلي لتقليص أعداد الفلسطينيين، بجانب الحروب العدوانية الإرهابية التي يشنُّها بين فترة وأخرى وذلك لإبادة المئات وتشويه وإعاقة مئات آخرين.

إنَّ هذه الانتهاكات الإجرامية والأساليب الجائرة والاعتقالات الظالمة وغير القانونية هي أحد الأسباب الرئيسة لمعركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها الأسرى الفلسطينيون من أجل مقاومة هذا الظلم البيِّن، وتعرية كيان الاحتلال الإسرائيلي وفضح جرائمه وانتهاكاته، ولفت انتباه العالم الحر وذوي الضمائر الحيَّة إليها.

ولا يزال أربعة عشر أسيرًا فلسطينيًّا في سجون الاحتلال الإسرائيلي يواصلون معركة إضرابهم المفتوح عن الطعام، من أجل الحصول على قرارات بإنهاء اعتقالهم الإداري ونيل حريتهم، حيث بدأت علامات التَّعب تظهر على المُضْرِبين، فيما قامت سلطات الاحتلال بمعاقبة بعضهم بنقلهم إلى زنازين العزل الانفرادي. وحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية فإنَّ إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي تواصل سياسة القمع والاضطهاد الجسدي والنَّفْسي بحقِّ الأسرى، وفق نَهْج وحشي يضرب عرض الحائط بكُلِّ الاتفاقيات والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان. وكشفت الهيئة، في بيان لها عن حالات مَرَضيَّة لأسرى يقبعون في المعتقلات الإسرائيلية. والاعتقال الإداري الذي تتَّبعه سلطات الاحتلال الإسرائيلي هو اعتقال من دون تهمة أو محاكمة، ويمنع المعتقل أو محاميه من معاينة المواد الخاصة بالأدلَّة، في خرق واضح وصريح لبنود القانون الدولي الإنساني، ليكون كيان الاحتلال الإسرائيلي هو الجهة الوحيدة في العالم التي تمارس هذه السياسة.

إنَّها معركة وطنية شريفة يخوضها هؤلاء الأسرى ضد حلقة من حلقات مسلسل الإرهاب الذي يمارسه الكيان العنصري ضد الإنسانية، ومعركة لاستنهاض الهمم وإيقاظ الضمائر المُتبلِّدة في هذا العالم.