في ظلِّ الانتشار السَّريع واللافت لفيروس كورونا "كوفيد19" عبر سلالاته المتحوِّرة "دلتا" و"دلتا بلس" و"ألفا" وغيرها، فإنَّ المقياس الحقيقي لهذا الانتشار هو الأرقام التي تُسجَّل يوميًّا عن حالات الإصابة والوفاة، والحالات المُنوَّمة في أجنحة المستشفيات وغُرف العناية المركَّزة، حيث سَجَّلت الإحصائيات اليومية ارتفاعًا مثيرًا للانتباه، ومثيرًا للقلَق والتوجُّس في الوقت ذاته، لا سيَّما وأنَّ هذا الارتفاع لم يقتصر على حالات الإصابة فقط، وإنَّما تعدَّى إلى حالات الوفاة، والحالات المُرقَّدة في غُرف العناية المركَّزة، الأمر الذي أشاع أجواء غير مريحة ومُفزعة وآلامًا توزَّعت في جميع الأرجاء، فلا تكاد تخلو عائلة أو أُسرة من هذه الآلام والأحزان، سواء لجهة حدوث حالات إصابة بمرض فيروس "كوفيد19" أو وقوع حالات وفاة أو دخول حالات أخرى غُرف العناية المركَّزة.
وبعيدًا عن المبالغة، فحجم الحزن والقلَق والألم والأسى كان ـ ولا يزال ـ واضحًا على كُلِّ بيتٍ شاءت الأقدار أنْ يرحل أحد أفرادها أو إحدى فلذاتها، أو يرقد أحد أحبابها في غرفة العناية المركَّزة، حيث يعتصر الألم القلوب ويلوي الحزن الأنفس، وتلهج الألسن بالدعاء.. إنَّها حقًّا معاناة قد لا يعرف حجمها ومستوى ثقلها إلَّا من جرَّبها أو كان قريبًا منها.
وبعيدًا عن المبالغة أيضًا، فإنَّ التجمُّعات بمختلف أنواعها أحد الأسباب الرئيسة في انتشار فيروس كورونا "كوفيد19"، وكذلك سبب رئيس في تحوُّرها، بدليل المشاهد الكثيرة أمام أعْيُن البَشر، وما تسبَّبت هذه التجمُّعات فيه من أرقام كبيرة جدًّا لأعداد حالات الإصابة، وقد رأى الجميع وسمع عن مئات الآلاف التي تُسجَّل يوميًّا في الدولة الواحدة نتيجة هذه التجمُّعات. لذلك لا حلَّ للحدِّ من تفشِّي الفيروس ـ في هذه الحال ـ سوى اتِّخاذ القرارات المتناسبة والتي تمنع هذه التجمُّعات بمختلف أشكالها ومناسباتها.
نعم قد ننزعج من مثل هذه القرارات التي تمنع التجمُّعات الأُسرية والاجتماعية وغيرها، وذلك للطبيعة الإنسانية التي طُبع عليها البَشر وهي حُبُّ الاجتماع والالتقاء مع الأهل والأرحام والأصدقاء، إلَّا أنَّ سلامة النَّاس من الأهل والأرحام والأصدقاء من خطر الإصابة بالفيروس مُقدَّم على إشباع رغبة اللقاء ورَيِّ الحنين، كما أنَّ فرحة اللقاء المُؤجَّلة يمكن أنْ تأتي في وقت آخر بعد زوال الوباء ـ بإذن الله تعالى ـ ويمكن تعويضها، إلَّا أنَّ الحزن والألم على فقْد حبيبٍ أو صديق أو فلذة كبد نتيجة تجمُّع لا يمكن تعويضه بأي فرحة، حيث يظلُّ هذا الألم وهذا الحزن ملازمًا ومستمرًّا.
لذلك ما سرده معالي الدكتور وزير الصحة في لقائه مع تلفزيون سلطنة عُمان الليلة قبل الماضية من نتائج الإغلاق الجزئي ومنْع الحركة للأفراد والمركبات، والإغلاق الكُلِّي ومنْع الحركة التَّام للأفراد والمركبات في أيَّام عيد الأضحى المبارك، تعكس جدوى الإغلاق كما أكَّد ذلك معاليه، مُوضِّحًا أنَّ نتائج الإغلاق تظهر بعد ١٠ أيَّام إلى ١٤ يومًا، والنتائج الحالية مبشِّرة ومطمئنة بالنسبة للإغلاق الجزئي، مُبيِّنًا أنَّ هناك عوامل عدَّة لانحسار الوباء عبر الالتزام بالإجراءات الاحترازية والتطعيم باللقاحات المُضادَّة لـ"كوفيد١٩" لافتًا إلى أنَّ التطعيم ليس إلَّا أداةً لمجابهة هذا المرض.
وعليه، فإنَّ الالتزام بالقرارات والتقيُّد بالإجراءات الاحترازية، والحرص على أخذ التحصين، وعدم التردُّد، وعدم الاستماع إلى الإشاعات له الدور الكبير في خفض أعداد الإصابات والوفيات والمُنوَّمين في الأجنحة وغُرف العناية المركَّزة، ويقود إلى نتائج مبشِّرة ومطمئنة أكثر بإذن الله.