دمشق ــ «الوطن»:
«مَنّا.. قيامة شتات الصحراء»..هو اسم الرواية الصادرة حديثا للروائي الجزائري الصديق حاج أحمد الزيواني عن (دار الدواية بادرار) ، وهي ثالث عمل روائي يصدره الزيواني بعد روايتي مملكة الزيوان وكاماراد. تعالج الرواية قضية الأزواد وحركاتهم الانفصالية المسلحة، المسألة الشائكة بدول الساحل، فجفاف 1973 الذي ضرب شمال مالي، كانت له تداعيات مباشرة، على هجرة السكان نحو الجزائر وليبيا، وازداد هذا الشتات أيضا بعد ثورة التوارقبكيدال سنة 1963، وما نجم عن ذلك من تقتيل وتشريد لخيام الشمال المالي، من طرف حكومة باماكو.

عن روايته قال الزيواني : إنّ الرواية تاريخية بينية ، تيمتها الأساس جفاف 1973 الذي ضرب صحراء شمال مالي فقضى على المواشي والبشر ففرّ الناس باتجاه الشمال حيث برج باجي مختار وتيمياوين حيث فتحت لهم الجزائر مراكز الإغاثة واللجوء، وقد بقوا هناك بتلك المراكز حتى عام 1976 بعدها استقرّوا بتلك النقاط وبنوا بيوتا فوضوية حتى حازوا بتقادمها واكتسبوا الوثائق الرسمية، ومع مجيء 1980 قام القذافي بنداء بمدينة أوباري من جنوب ليبيا. ويبدو أن التاريخ المعاصر للصحراء الكبرى، قد صمت وتجاوز جفاف 1973، ولم ينال هذا الحدث التاريخي البارز في الساحل الإفريقي، ما يستحق من الدراسة والعناية، لتأتي الرواية فتهدم التاريخ، وتحاول تشكيل الرؤية التاريخية، من منظور تخييلي.

وأضاف: لقد أعلنت منذ البواكير الأولى لأعمالي الروائية، أني قد سطرتُ وبوعي مشروعي السردي، ضمن جغرافيا الصحراء الكبرى، فجاءت الرواية الأولى (مملكة الزيوان)، محاكية لقصور توات الطينية، فيما راحت الرواية الثانية (كاماراد)، تعالج هجرة الإفريقي الأسود نحو أوروبا، أما الرواية الثالثة (مَنّا... قيامة شتات الصحراء)، فجاءت لتعرية أسباب هجرة التوارق والعرب الحسّان من شمال مالي نحو الجزائر ، وما لحق من شتات للتوارق ومجاوريهم الحسّان، عبر المدن الجنوبية الجزائرية، وما تلى ذلك في مطالع الثمانينيات من القرن الماضي، وهجرة التوارق لليبيا.

ومن جانب اخر اهتم ناقدان جزائريان وروائي سوداني شهير بالعمل، مقدمين شهادة عنه وعن كاتبه، فكتب الناقد والمترجم سعيد بوطاجين : بعد روايتي مملكة الزيوان وكاماراد، يغيّر الروائي الزيواني المسارات ويتجاوز.. لكنه يظلّ متمسّكا بفضائه الصحراوي ، المكان الذي نبتَ فيه كزهرة الرمال، ولم يتخلّ عنه أبدا، بحثا عن ناطحات السحاب، التي لا تُؤوي المعنى. النصّ تخييل في واقع أفريقي تراجيدي، ينقله الروائي ببناء مقطعي مغاير، لمأساة الجفاف والحرب وسقوط الأقنعة عن هذا الكائن، الذي أطلق على نفسه عدة أسماء أكبر منه. وقال الروائي السوداني أمين تاج السر عن رواية (منّا) في هذه الرواية الجديدة للروائي الجزائري الزيواني، ستُفاجأ بأشياء لا تعرفها، وقد لا تظن أنها موجودة، ولطالما نوّهت بأهمية أن يضع الكاتب بصمته الخاصة في الكتابة، ويدهشنا بعوالمه، وأظن أن الزيواني نجح في ذلك. وأضاف : إنها صحراء شمال مالي، حيث التوارق وأولاد حسّان، فيها جفاف ورمال وتوهان، وفيها أيضا ثقافة وإرث وإنسان، القصة هنا ليست قصة هجرة أهل الشتات، الذين تشرّدوا وحلموا بالوطن وسعوا إليه فحسب؛ لكنها أيضا حكاية عالم مندوحة متخيّل، يسرده الكاتب بأدوات غاية في النضج والوعي.

أمّا الناقدة آمنة بلعلى فكتبت ك رواية (مَنّا) نصّ مختلف، سعى من خلاله الروائي الزيواني، إلى بناء متخيل روائي مدهش بموضوعِه وفي رؤيتِه، هذا النصّ مكّن الصحراء من أن تنطق، وتبوح بما أخفت، وهي رواية تراجيديا شتات الأزواد، الذين فرّوا من قحط الجفاف، ليدخلوا قحطا أشدّ منه، استطاع الروائي أن يؤثّث به لنمو عالمه السردي واكتماله، في تعاضد جميل وفاعل، ليصنع منه نظاما سرديا محكما، والرواية تحكي عن المعاناة والخديعة، وأساليب الهيمنة وصناعة التابع؛ لكنها تحكي أيضا عن المعنى والقيمة الأخلاقية الإنسانية، وتؤرّخ لمتخيّل صحراء، لم نكن نعرفها من قبل.