أ.د. محمد الدعمي:
لست بقادر بالمرة أن أتخيل روائيًّا أو مسرحيًّا كبيرًا، يقرر (عمدًا) أن يؤلف عملًا أدبيًّا بارعًا بقصد الحصول على جائزة مالية أو اعتبارية معيَّنة، بدليل أن أغلب الأدباء الكبار غالبًا ما يعلنون أنهم قد "تفاجأوا" حال إعلان أسمائهم فائزين بجوائز فنية أو ثقافية كبرى من عيار "جائزة نوبل" أو "جائزة بولتزر" من بين سواها من الجوائز التي عمد ولاة الأمر والمتنفذون إلى استحداثها بأسمائهم الشخصية أو بأسماء بلدانهم، على سبيل الشهرة أو من أجل الظهور بمظهر رعاة الثقافة أو الفنون، بل وربما في سبيل تحقيق أهداف سياسية مؤقتة أو دائمة!
زبدة الكلام، هي أن الذين يفوزون لا يفكرون بنيل هذه الجائزة أو تلك ساعة الجلوس إلى المنضدة لتأليف قصيدة أو مسرحية أو سيناريو سينمائي: الموهبة والعبقرية لا تسعى إلى الجائزة. فالعكس هو الصحيح؛ لأن الجائزة هي التي ينبغي أن تسعى إلى العبقرية أو الموهبة. هذه هي القاعدة عالميًّا، وإقليميًّا عبر الأزمان والحقب.
بَيْدَ أن الذي لاحظته من خلال متابعتي للواقع الثقافي على المستوى الإقليمي القومي على أقل تقدير إنما يتجسد في حرف الجائزة عن أهدافها السامية الأصل من قبل ما يمكن أن أطلق عليهم عنوان "صيادو الجوائز"، وأقصد بهم أولئك المحترفون الذين يتخذون من أعمالهم الفنية وسائل لقنص الجوائز، المالية على نحو أناني. وهذه الظاهرة الشائعة عبر عالمنا العربي، الخليجي خصوصًا، راحت تستشري، درجة حرمان المستحقين للجوائز من بين العقول الذكية أو العبقرية بسبب احتراف أسماء معيَّنة قنص الجوائز المادية والاعتبارية وصيدها، حرفة وليس موهبة حقة!
بهذه الطريقة الأنانية السمجة، تفقد الجوائز الفنية أو الثقافية دلالاتها وأهدافها الأصل لتتحول إلى أدوات إثراء، ناهيك عن مخاطر سقوطها في غياهب "السوق"، بين قطبي العرض والطلب: لست أدري لماذا لا ينتبه القائمون على الجوائز الثقافية أو الفنية إلى هذه الظاهرة على سبيل انتشال جوائزهم من مثالب المحسوبية والمنسوبية والأهواء الفردية السياسية أو الأنانية!
إن الأدب الحقَّ، إنما يتجسد في الأعمال الأدبية التي تجتاز اختبار تتابع الأزمان والحقب (مع تقلب أشكال الذائقة والاستقبال الفكري) ودليل ذلك: هو أننا ما زلنا نقرأ مسرحيات شكسبير بشهية ونهم وانتشاء، متيقنين من أن الرجل (الذي ما زال غامضًا، سيرةً وفنًّا) لم يتعمد تأليف (هاملت) أو (عطيل) أو (ماكبث) من أجل جائزة ما!