وليد الزبيدي:
في اختياره لعنوان كتابه الصادر حديثا، يجذب الأستاذ عثمان كباشي القارئ بقوَّة، لأن الجميع يشعرون بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي عليهم، لكن الغالبية العظمى لا يعرفون حجم هذا التأثير ومدياته الآنية والمستقبلية، وبقصد تنبيه القارئ لخطورة القضية التي يبحث فيها المؤلف يتساءل بالقول: ماذا فعلت بنا وسائل التواصل الاجتماعي؟
منذ سنوات أخذت مسألة تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على الناس الكثير من اهتمامات الباحثين في ميادين الإعلام والعلوم النفسية والاجتماعية والثقافية بصورة عامة، وصدر الكثير من الكتب والبحوث بهذا الخصوص، لكن المحتوى المتوافر عن هذه القضية الكبيرة باللغة العربية بقي محدودا جدا، وذلك رغم سعة حجم الفجوة التي تزداد في حياتنا وتضرب في الأعماق، ونقول عن كتاب كباشي، نقول إنه يستحق القراءة والتعميم على أكبر عدد ممكن من الناس، فقد تجاوزت تأثيرات هذه السيول الهادرة الكثير من الحدود. ويقول الخبراء إنه تأثير مدروس جدا، وأن الذكاء الاصطناعي يؤدي دورا كبيرا في زيادة رقعة التأثير وتفعيلها، ويتوقع الخبراء والمختصون أن الإدمان على هذه المنصات سيتعمق يوما بعد آخر. وتعتمد إدارات شبكات التواصل الاجتماعي برامج رقمية هائلة تقدم إحصاءات دقيقة عن رغبات الزوار، وتقترح نوع المحتوى من نصوص وصور وألوان وفيديوهات، التي من شأنها شدّ الزوار أكثر واستمرار زياراتهم، بل وتكرار تلك الزيارات وزيادة أوقات البقاء أمام شاشات الهاتف لمتابعة المنشور فيها، كما أن الموضوعات والمواد التي يقترحها الذكاء الاصطناعي تتكفل بإضافة محتوى جديد، قد لا يكون ضمن اهتمام الشخص ولا يعرف ما هي النافذة التي جرجرته إليها.
وللتعرف على عوالم كتاب الأستاذ عثمان كباشي نقرأ ما كتبه في تعريفه لتلك العوالم، يقول: هو عصارة أكثر من 10 كتب صدرت في السنوات الثلاث الماضية، كان موضوعها العام تأثیر العصر الرقمي في حیاة البشر، مؤكدا أن معظم تلك الكتب قد تناول بالنقد الشدید الجوانب السلبیة لأبرز منتجات هذا العصر، ألا وهي منصَّات التواصل الاجتماعي وما تقدمه من محتوى.
المفارقة التي يعيشها الغالبية العظمى من الناس، أن الأطفال، الذين كانوا يتلقون تعليمهم وإرشادهم من قِبل الكبار، أصبحوا الآن مصدر توجيه وتعليم للكبار، فالكثير من الآباء والأمهات يستعينون بالصغار لمعالجة مشاكل تقنية في هواتفهم أو في إنشاء حسابات في "تويتر" و"إنستجرام" و"فيس بوك" وغيرها.
لقد حصلت متغيرات جوهرية في جوانب حساسة وأهمها نوعية المحتوى وصناعته، التي فتحت الأبواب الكبيرة والصغيرة أمام الجميع، ويحذر المختصون والعلماء من خطورة الكثير من المحتويات التي تخاطب مختلف فئات المجتمع، وبينما تزداد شعبية شبكات التواصل الاجتماعي، يتراجع حضور الصحف والمجلات التي تحرص على تقديم المحتوى الرصين والعلمي والذي يبني ويربي لا ينثر كل شيء وفي جميع الاتجاهات كما هو حاصل الآن.