خميس بن حبيب التوبي:
يُقال "إنَّ المصائب لا تأتي فُرادى"، وهذا ما ينطبق اليوم على أحوال النَّاس، حيث تتوالى عليهم الواحدة تلو الأخرى، فلا يكادون يستفيقون من صدمة إلا وتتلوها أُختها؛ فتنتاب الأنْفُس مشاعر وهواجس وقلَق وخوف من حاضرٍ تتفاقم أحواله وتُمثِّل إرهاصات لمستقبل غامض، ويزداد غموضًا جرَّاء توالي الكوارث التي تُلْقي جائحة كورونا "كوفيد19" بأحمالها وأعبائها على البلاد والعباد ودون سابق إنذار.
وما يعيشه اليوم أبناء هذا الوطن العزيز من تراكمات سابقة، وتحديدًا خلال السنوات الست الأخيرة، وكوارث لاحقة نتيجة تفشِّي جائحة كورونا، لا يوجد في الأُفق القريب ما يَشي باقتراب نهايته. فالأنين لا يزال يزداد ارتفاعًا، وأصوات النداء والاستغاثة والرجاء تواصل عُلُوَّها، والأوجاع والآلام آخذة في التمكُّن من ضحاياها، والجميع بانتظار معجزة أخرى تنتشلهم من وضع يخشى الجميع أنْ تغيب شمس نهاره.
لم يفق المواطن من صدمة الضرائب في الوقت الذي لم تنتهِ فيه البلاد من حلِّ مشكلة الباحثين عن عمل، حتى تنزل على رأسه أُثْفِيَة ارتفاع فواتير الكهرباء، ويُقلِّب بصره خائفًا يترقَّب نزول أُثْفِيَة ثالثة تأتي على كُلِّ شيء. فارتفاع الفواتير المضاعف بمرَّات جاء صادمًا ولافتًا ومثيرًا للدهشة والاستغراب، عكَسَ ذلك شكاوى المستفيدين من خدمة الكهرباء رغم أنَّ الاستهلاك ذاته، وكما جاء أيضًا في شكاوى بعض أُسَر الضمان الاجتماعي والدَّخل المحدود، حيث بعض أُسَر الضمان الاجتماعي مُكوَّنة من فردَيْنِ، فحسب تغريدة فهد الربخي على حسابه في "تويتر" يقول فيها "هذا الموقف رأيته بِعَيْني في أحد مكاتب دفع الفواتير، رجل كبير في السِّن بمثابة جدِّي، أحببت أُقدِّمه والله أنَّ الدمعة في عيونه، يقول ولدي راتبي (80) ريال من الضمان الاجتماعي، ودفعت الحين (60) ريال، ويقولي البيت فيه هو وزوجته، يقول ما أعرف كيف جاتنا كذا.. ما ذنبه؟"
في تقديري، تلك التغريدة ـ والعُهدة على صاحبها ـ كافية للتدليل على حجم وتداعيات ما يعنيه الارتفاع المُبالغ فيه لفواتير الكهرباء، مع أنَّ هناك العديد والعديد من الأُسَر تبكي دمًا، حيث من شأن ذلك:
أولًا: إن اشتغال المواطنين بصداع ارتفاع فواتير الكهرباء، ووقوعهم أمام سواطير الهَمِّ والقلَق من الحاضر والمستقبل، يعني تعطيل الطاقات البشرية المخزونة، كُلٍّ في مجال عمله، وذلك بقوَّة الهَمِّ والتوجُّس والقلَق، فلن يتمكَّن كُلُّ فرد من القيام بمسؤولياته وأدواره الوظيفية والمهنية على أكمل وجْهٍ، فلن نجد المعلِّم الرائد المُربِّي، ولن نجد الطبيب الماهر، ولن نجد المهندس المتمكِّن، والصَّانع الحاذق، والقائمة تطول.
ثانيًا: شعور المواطنين بأنَّهم يتكبَّلون ثمَن أخطاء تخطيطية وتراكمات سابقة، هذا له أثَرُه الكبير على المَديَيْنِ القريب والبعيد، من حيث الشعور الوطني ومعاني الانتماء وقِيَم الولاء، والوصول إلى ذلك ـ لا سمح الله ـ ستترتَّب عليه آثار على مظاهر الاستقرار والطُّمأنينة والسَّكينة العامَّة.
ثالثًا: انعدام الطبقة الوسطى من المجتمع، ما سينتج عنه خلخلة في التركيبة المجتمعيَّة، فتصبح هناك طبقتان غنية تتمتع برغَد العيش وتتحكَّم في كُلِّ شيء، وطبقة فقيرة كادحة لا تجد ما يسدُّ رمقها إلَّا من خلال ما يحصل عليه معيلها من كدحه اليومي، فتضيع صُوَرُ القِيَم والمبادئ والأخلاق والعادات والتَّقاليد من تعاون وتراحم وتكاتف وتطوع ومسارعة إلى حبِّ الخير، وتغيب وجوه البِر من الصَّدقات وتختفي الزَّكَوات.
رابعًا: ارتفاع فواتير الكهرباء سيُهدِّد بقاء المؤسَّسات الصغيرة والمتوسِّطة، وسيُهدِّد استمرار موارد الرزق، وسيُضاعف قيمة السِّلع والخدمات، وهو ما سيعجز عنه المواطنون والمُقيمون، الأمر الذي سيُؤثِّر بصُورة كبيرة ولافتة على الاقتصاد الوطني.
خامسًا: ذهاب الرواتب والمُدخرات في سداد الفواتير والضرائب سيمنع الذين يحاولون تحسين أحوالهم المعيشية أو أوضاع أبنائهم التعليميَّة، حيث مُؤدَّى ذلك أنْ ليس في مقدور أُسَر تعليم أبنائها في المدارس والجامعات والكلِّيات الخاصَّة، وليس في مقدورها الاستفادة من الخدمات الصحيَّة الخاصَّة، وهذا سيقود إلى إغلاق مؤسَّسات تعليميَّة وصحيَّة خاصَّة، وسيُضاعِف الأعباء على المؤسَّسات الصحيَّة الحكوميَّة.
لذلك اليوم رجاء المواطنين في الله وفي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ والثِّقة في حِكمة جلالته بالتدخُّل العاجل، ومعالجة هذه القضية بإعادة هيكلة قطاع الكهرباء وإعادة النظر في التسعيرة، وطريقة الاحتساب المُتَّبعة وفق الشرائح وما إلى ذلك، فتعدُّد المزوِّدين والمُنتجين لخدمة الكهرباء وفق هذا الكَمِّ الكبير الذي تشهده البلاد لا يخدم التطلُّعات والآمال المشتركة والتي يسعى الجميع إلى تحقيقها؛ حفاظًا على عُمان وتطوُّرها وتقدُّمها واستقرارها.