سأكتب في هذه اللحظة التي أنا فيها الآن قبل أن تنقضي، ولو أني غير راغب في الكتابة اليوم، وهذه الحالة تـنتـابني في كثير من الأوقات.
اليوم عزمت على الكتابة دون شعور معين يـدعو للكتابة، ودون تخطيط، أو أي رغبة حقيقية للكتابة. اللحظة التي غادرتني للتو والتي قضيتها في كتابة الأسطر الأولى، أصبحت ماضيا الآن لا تعود، لتأتي لحظة أخرى غيرها لتأخذ مكانها، والوقت ينساب منا يتحرك إلى الأمام، يمضي تاركا الماضي خلفه.
فمن كان يضج بالحياة والشباب أمس، تراه اليوم خائر القوى ضعيفا، القطة في منزلنا أصبحت عجوزا وهي لم تبلغ الحادية عشرة من العمر بعد، ويقال ان عمر القطط لا يتجاوز الخمسة عشر عاما ثم تنتقل الى الرفيق الأعلى، انظر إلى ما أوصلتني إليه الكتابة اليوم، وأين ذهبت في كتابتها، ولماذا تسللت القطط إلى أفكاري فجأة ،إذن عن ماذا الحديث حين لا أرغب في الكتابة؟. سأعيد قراءة ما كتبته الآن، لأرى عن ماذا كتبت، لأكمل ما كتبته في هذا المقال، فقد تركت القلم يكتب عن اول شيء يتبادر إلى ذهني.
المغريات كثيرة والتي تبعدني عن الكتابة، وهي الأمور السهلة التي لا تستدعي التفكيـر والمعاناة وتجلب السرور والسعادة والراحة، مثل مشاهدة الأفلام التلفزيونية والمسلسلات والبرامج التلفزيونية والأخبار، وإذا كان هذا لا يكفي تشغيل جهاز الانترنت إلى عالم لا بداية له أو نهاية ، وبلمسة واحدة يتم الانتقال من مكان إلى آخر حسب الرغبة والاختيار والوقت يمضي في راحة وسرور، أو يأتي الاتصال من الأصدقاء للذهاب إلى أحد المقاهي أو التجول بالسيارة لقضاء بعض الوقت، أو ترتيب الخروج مع العائلة في زيارة أو رحلة في الإجازات. أو ببساطة البقاء في المنزل والنوم إلى أوقات متأخرة، أو الانشغال في شؤون الأبناء وقضاء وقت أسري ممتع في حديقة المنزل.
في صباح هذا اليوم تركت المغريات الأسبوعية الكثيرة، وانحزت نحو الكتابة، ولكن ماذا أكتب عندما لا أرغب في الكتابة حتى لو انحزت إليها، قلت سأترك للقلم الحرية ليقل ما يشاء نقلا عن الذهن مباشرة وسأذهب معه اليوم حيث يذهب فيما يريد أن يقول، قد لا يشكل الكلام ترابطا ومعنى، ولكن أحيانا عالمنا بلا معنى ولا تفسير ، الأشياء تحدث فقط وتتحول إلى واقع وتجبرنا على تقبلها كما هي، فاذا مرض عزيز على قلبنا فـنقول لماذا هو وليس غيره، ولا نجد الرد، وإذا وجدنا الرد للأسباب التي نعلمها ، فعلمنا بالمرض وأسبابه شيء، ولماذا أصابه هو بالذات دون غيره شي آخر، وخاصة إذا نحن بحاجة اليه في كل صغيرة وكبيرة، كما عودنا، وفي الختام نتقبل المشيئة الإلهية كما هي، ونمضي، لا نستطيع أن نفعل شيئا عاجزين.
قبل فترة جاءني خبر تعرض أحد اصدقاء أبنائي الذي كان يزورنا أحيانا في المنزل ويتغدى معنا لحادث سير أصابه بالشلل الرباعي، والآن لا يستطيع تحريك جسمه عدا أحد أصابعه اليمنى وبنسبة أربعين في المائة فقط، فجأة حل زلزال على الحياه اليافعة لهذا الشاب الذي لم يتجاوز السابعة عشرة من العمر فأطاح به أرضا مدمرا حياته، هل نستطيع أن نتخيل ألمه ومعاناته ومشاعر عائلته المسكينة؟، هل نستطيع أن نخفف من هذه الكارثة الإنسانية؟، وهو يعيش حالته بعذاب يومي مستمر، وحياه أشبه بالموت.
لا اعتراض على مشيئة الله، وهذا ما نستطيع أن نقوله حين يعجز العقل عن التفسير، وهذا يخفف من آلامنا قليلا ويهدئ من حيرتنا، إلى أين تأخذني هذه الكتابة عندما لا أرغب بالكتابة .
قابلني أحد القراء في إحدى المناسبات قبل عدة أيام عرفني وأنا لا أعرفه، وعرفني بنفسه ولم أعرفه أيضا، قال أين كتاباتك، إننا ننتظرك؟ لماذا لا تكتب دائما، ولم أقل له صرت لا أرغب بالكتابة هذه الأيام ولهذا لا أكتب، فقررت أن أكتب اليوم وأنا غير راغب بالكتابة لأرى ماذا أكتب.
الكتابة يا صديقي عندي إحساس ومشاعر صادقه، ولا اكتب من أجل الكتابة أو الظهور، ولهذا لا تراني دائما، وأكتب حين تستدعيني الكتابة لأكتبها وعندما اشعر بضرورة التعبير. فلست على عجل للكتابة، ولا انتظر منها عائدا ماليا أو معنويا والحوافز عندي فيـها معدومة إلا ما يسعدني حين يعرفني الناس من خلال كتاباتي، أو يتذكرونني بقصه كتبتها شعروا بأنفسهم فيها أو مقالة أثرت فيهم، ورسخت في ذاكرتهم الأيام تمر سريعا في انشغالات الحياة، وواجباتها ومتعها ومغرياتها، والكثير من الكتاب توقفوا عن الكتابة، لاعتقادهم بعدم جدوى الكتابة، فاذا أصاب الكاتب لا ينتبه أحد وإذا اخطأ الجميع يتذكر، ولا يريد الكثير أن يضيفوا هم الكتابة فوق همومهم، وعادة ما تذهب الكتابة الإبداعية إلى مناطق الفشل والحزن والضعف في ذات الكاتب لتخرجها للنور في سطور، فيفضل البعض أن يداري جراحه ويصمت، ولهذا ترى الكثير من الكتاب يتساقطون منقطعين عن الكتابة دون عودة، وكم مر علينا من الكتاب خلال العشرين عاما الماضية، يخطون بأقلامهم الكلمات الأدبية والقصائد الشعرية الجميلة ثم توقفوا توقفا نهائيا، كانت لديهم شحنة عاطفية متدفقة بالشباب والألم والأمل، تم استنزافها خلال فترة محددة، ولما نضب معين الحماسة والارادة على الاستمرار، انسحبوا مكتفين بما قدموه.
ونحن كبرنا وما زلنا نكابر على الاستمرار في الكتابة، ننهض منتفضين مقاومين الموت الكتابي الذي يسحبنا إليه بقوة منذ سنوات، لنعيش يوما آخر نشعر فيه بوجودنا الذاتي وروحنا الشفافة، ولأن هناك شخصا ما في وقت ما ينتظرنا لنكتب.
دعني أتوقف عن الكتابة الآن وأرى ماذا كتبت حين لا أرغب في الكتابة.

نمير بن سالم آل سعيد