كاظم الموسوي:
مَن يعرف أعداد القرابين التي راحت ضحية الهجرة من مرابعها إلى "حلم الجنة البعيدة" على أراضي الغرب؟ ومن يصدق الأرقام التي تحاول منظمات الأمم المتحدة أو المكلفة من جهات عديدة نشرها؟ وأغلبها لها مصلحة بما يحصل، ولا تقدم إلا ما ينفعها طبعا. وما السبيل إلى تذكر الضحايا، قرابين الهجرة والوعود المعسولة؟ ومَن ومَن؟! أسئلة كثيرة وأغلبها متكررة، أو بعضها يعاد للاستفسار والتذكر. أية فاجعة تضاف إلى الأسباب التي أدَّت إليها، وإلى العوامل التي حرضت عليها، وإلى الأطراف التي ساهمت فعليا فيها؟ بالتأكيد يصعب الحديث ويؤلم الكلام ويجرح السؤال.. هذه أرواح بشرية لها تاريخها وذكرياتها وأحلامها، ولها أهلها، آباؤها وأمهاتها، أبناؤها وبناتها، أحباؤها، زوجات وحبيبات وأخوات وإخوة وأصدقاء ورفاق، وكل هؤلاء تربطهم خيوط أمل بها وشوق إليها، واستفسارات عنها وانتظار لخبر أو جواب..
في آخر الأخبار (2021/07/14) التي وزعتها وكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس": إن المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة، أكدت أن عدد المهاجرين الذين قضوا في البحر أثناء محاولتهم الوصول سرًّا إلى أوروبا تضاعف هذا العام، مطالبة الدول باتخاذ إجراءات عاجلة للحدِّ من هذه المأساة، وأعلنت المنظمة، في تقرير أن ما لا يقل عن 1146 شخصا لقوا حتفهم في البحر أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا خلال النصف الأول من عام 2021، أي أكثر من ضعف العدد الذي سجل في نفس الفترة من العام المنصرم "513 وفاة"، في حين وصل عدد الوفيات في النصف الأول من العام 2019 إلى 674 وفاة.
وأوضحت المنظمة أن "المنظمات المدنية العاملة في البحث والإنقاذ واصلت الاصطدام بعقبات كبيرة، إذ إن أغلبية قواربها عالقة في الموانئ الأوروبية بسبب قرارات مصادرة إدارية وإجراءات جنائية وإدارية ضد أفراد طواقمها". وأشارت "إلى أن الزيادة في الوفيات تأتي في وقت تتزايد عمليات اعتراض القوارب التي تقل مهاجرين قبالة سواحل شمال إفريقيا". وهذه الأرقام تسجل عن قرابين الهجرة عبر البحر فقط، ولكن طرق الهجرة لم تتوقف على البحر حسب، بل تعددت وتنوعت، عبر البر، وعبر الجو، وعبر فرص يوفرها البحر والبر والجو معا، ولكل ضحاياه. ولا يعرف معاناة الهجرة إلا الذين كابدوها وعاشوا محنتها أو قسوتها أو أسطورتها. وفي كل الأحوال لا أحد يعرف الوقائع والأرقام والأعداد الحقيقية، ولا أحد يستطيع أن يكشفها أو يضعها أمام كل مسؤول دولي أو محلي ويواجهه عن مصائر الذين راحوا ضحايا بلا أسماء أو شواهد أو قبور مثل باقي المخلوقات.. وقد سُجِّلت لأحياء وصلوا بعد معاناة تجارب محدودة ونُشرت قصص لأفراد أو رُويت روايات لمأساة، بينما ظلت الضحايا أرقاما في أخبار المنظمات.
مرة أخرى وفق المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 33 ألف شخص غرقوا وهم يحاولون الوصول إلى شواطئ أوروبا خلال القرن الجاري مما يجعل البحر المتوسط "أكبر منطقة حدودية في عدد الوفيات بالعالم وبفارق كبير عما بعدها". وكم عدد الضحايا في البر؟ لم تسجل بعد أو تنتظر الفرج! ما هي الأسماء، الأعمار، البلدان؟!
تعرف المنظمة الدولية للهجرة والوكالة الأوروبية لحماية الحدود (فرونتكس) أن معظم الواصلين جاؤوا أوروبا عبر البحر، بينما وصل خمسهم عبر طرق برية، وأن أكثر بلدان الدخول للاتحاد الأوروبي هما اليونان وبلغاريا، المجاورتان لتركيا، وكرواتيا التي يحاول الكثيرون عبورها إلى أوروبا الغربية. بَيْد أن الكثير من المهاجرين يجدون أنفسهم قد علقوا في الدول المجاورة لكرواتيا وخصوصا البوسنة والهرسك وصربيا.
يضاف بلدان آخران، إيطاليا وإسبانيا، كمحطتين للوصول، عبر البحر أو الجو. وحسب المنظمة الدولية للهجرة وصل أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط في عام 2019 حوالي 105425 ألف مهاجر. وقد تضاعف عدد الواصلين من بحر إيجة إلى اليونان، مقارنة بالعام الذي سبقه. هذا فيما انخفضت بشكل كبير أعداد الواصلين من منتصف البحر الأبيض وخصوصا من ليبيا وتونس ومالطا، ومن غرب المتوسط وخصوصا من المغرب والجزائر. فقد ركب 14500 مهاجر البحر من ليبيا وتونس في 2019، بينما كان الرقم 24815 في 2018. أما الطريق الغربي فكان عدد من سلكوه 24759 في عام 2018، بينما بلغ الرقم أكثر من الضعف في العام الذي قبله وبواقع 58525. وبالنسبة للطريق الشرقي للمتوسط، وخصوصا بين تركيا واليونان وقبرص، اجتازه 66166 مهاجرا وهو ضعف الرقم في عام 2018 (33536).
كان تقرير للمنظمة قد أشار إلى وصول عدد كبير قياسي من المهاجرين خلال الفترة بين عامي 2014 و2016 وأسهم الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لوقف قدوم مهاجرين عبر اليونان وانتشار دوريات قبالة سواحل ليبيا وتونس في تقليل عدد المهاجرين بدرجة كبيرة.
كتب فيليب فارجيس الأستاذ بمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، وكاتب التقرير، بحسب رويترز، إن الأرقام تقلل على الأرجح من الحجم الفعلي للمأساة الإنسانية. وأضاف "التقرير يقول إن 33761 مهاجرا على الأقل جرى الإبلاغ عن وفاتهم أو فقدهم في البحر المتوسط بين عامي 2000 و2017. الرقم يخص الفترة حتى 30 يونيو حزيران". وتابع "خلص التقرير إلى أن الحدود الأوروبية بالبحر المتوسط هي الأدمى في العالم وبفارق كبير".
تواصل أرقام المنظمة الدولية للهجرة الإشارة إلى أن نحو 161 ألف مهاجر ولاجئ وصلوا إلى أوروبا بحرا هذا العام حتى الآن، وأن 75 في المئة منهم وصلوا إلى إيطاليا، بينما وصل الباقون إلى اليونان وقبرص وإسبانيا.
مقابل أو إضافة إلى ذلك ومنذ سنوات تقوم دول الاتحاد الأوروبي بتمويل أجهزة السواحل في البلدان العربية، شمال إفريقيا، وتدريبها وتجهيزها، لمنع المهربين من جلب أعداد إضافية من المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا بحرا. بينما تقوم دول أخرى، بينها ألمانيا، بضخ 18 مليون يورو (21.3 مليون دولار)، لإنشاء نظم مراقبة إلكترونية على طول الحدود الشرقية لتونس، ضمن مشروع تديره وكالة "الحد من التهديد الدفاعي" التابعة لوزارة الدفاع الأميركية. وتسعى الحكومات الأوروبية إلى إيجاد سبل لوقف تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط، خصوصا من إفريقيا في السنوات الأخيرة، بما في ذلك عن طريق تمويل تدابير الأمن الحدودية في البلدان الرئيسية. وكما هو معروف أن الاتحاد الأوروبي وحكومات دول أخرى تخطط وتجهز مشاريع حمايتها أو تفتح أبوابها لمصالحها دون النظر للضحايا والقرابين الذين خسروا حياتهم قبل أن يحققوا أي حلم أو أمل لهم ولمن ينتظرهم.
أرقام وأعداد قرابين الهجرة إلى أوروبا تظل وصمة في جبين السياسات الغربية التي هي بلا أدنى شك أهم الأسباب وراء ما جرى ويحصل ودون تقييم الثمن، وإلى متى؟!