محمد عبدالصادق:
احتفلت الأمم المتحدة باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر الذي يوافق 30 يوليو من كل عام، وهيمن على الاحتفال هذا العام، موضوع تأثير جائحة كورونا على ضحايا الاتجار بالبشر، حيث أشار تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات إلى زيادة استهداف الأطفال واستغلالهم منذ ظهور الجائحة في شتاء العام الماضي، جراء فقد كثير من الآباء والمعيلين لمصدر رزقهم واستغلال المتاجرين في البشر الأزمة العالمية في توسيع نشاطهم، فلجأ كثير منهم إلى استغلال الأطفال والزج بهم في أتون الاتجار وتوزيع المخدرات التي زاد الإقبال على تعاطيها على مستوى العالم، بسبب المكوث في المنازل لساعات طويلة والاكتئاب نتيجة خسارة الدخل وتفشي العنف المنزلي الذي يكون الأطفال والنساء هم ضحاياه.
ورغم الإغلاقات والتحديات التي فرضتها الجائحة، زادت البلاغات التي تلقتها منظمات مكافحة الاتجار بالبشر، والتي أصرت على الوصول للضحايا وتقديم خدماتها الأساسية رغم القيود التي فرضتها الجائحة، حيث ضاعف كورونا من صعوبة اكتشاف جرائم الاتجار بالبشر، وترك الضحايا يكافحون للحصول على الحماية والوصول إلى العدالة.
وأكد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، أن تدابير الحد من انتشار الفيروس التاجي زادت من خطر الاتجار بالأشخاص في حالات الضعف، وعرضت الأطفال والنساء لمزيد من الاستغلال وصعبت الوصول إلى الخدمات القانونية اللازمة لحماية الناجين من هذه الجريمة.
ووفق دراسة أممية صدرت مؤخرا، يستهدف المتاجرون بالبشر الأطفال الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية عبر الإنترنت بشكل متزايد يصل لدرجة الإدمان، ويقومون باصطياد الضحايا الجدد وتجنيدهم من بين هؤلاء، لتلبية الطلب المضاعف على الاستغلال الجسدي للأطفال على الشبكة العنكبوتية، والزواج القسري والتسول والجريمة المنظمة وتجارة الأعضاء.
ونتيجة الإغلاق والقيود المفروضة على خدمات مكافحة الاتجار بالبشر، تراجعت فرص النجاة وهروب الضحايا من المتاجرين بهم، وفي حالة الوصول لضحايا الاتجار بالبشر وإنقاذهم لا يستطيعون العودة لديارهم، لاضطرارهم للبقاء لشهور طويلة حتى تفتح الحدود المغلقة، يقيمون خلالها في ملاجئ بالدول التي تعرضوا فيها للاستغلال.
وتسببت كورونا كذلك في تراجع الموارد الإغاثية وتقليص الميزانيات المخصصة لرعاية ضحايا الاتجار بالبشر، جراء تأثر اقتصادات الجهات المانحة، مما أدى لتقليص الخدمات الأساسية التي تقدم الدعم والمساعدة للضحايا.
ويرى علماء الاجتماع أن الجريمة تزدهر في أوقات الأزمات، وربما هذا يفسر عدم توقف جرائم الاتجار بالبشر رغم توقف كافة الأنشطة في أجزاء كثيرة من العالم للتصدي لجائحة كورونا، ويبدو أن المتاجرين بالبشر يتكيفون سريعا مع الوضع الجديد، ونقلوا أعمالهم غير القانونية من الحانات والنوادي بعد إغلاقها إلى أماكن خاصة أو عبر الإنترنت، مما حدا المسؤولين عن مكافحة جرائم الاتجار بالبشر لتطوير استراتيجيات البحث والمراقبة لأنشطة هذه العصابات الخارجة عن القانون على المستويين الوطني والدولي، لمنعها من استغلال الجائحة في الإفلات من العقاب.
ويدخل ضمن جرائم الاتجار بالبشر التورط في تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم عن طريق التهديد أو استخدام القوة أو الإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو إساءة استغلال السلطة أو إعطاء أو تلقي مدفوعات أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على آخر لغرض الاستغلال.
وتقع جريمة الاتجار بالبشر وليدان شخص بها، يجب أن يكون ارتكب أيا من أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمات أو العبودية أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء، أو إذا استخدم المتاجرون العنف أو وكالات التوظيف الاحتيالية والوعود الكاذبة بالتعليم أو فرص العمل لخداع ضحاياهم وإكراههم أو خداعهم، وفي حال استغلال الشبكات المنظمة أو الأفراد الذين يقفون وراء الجريمة، الأشخاص المستضعفين أو اليائسين أو الذين يسعون إلى حياة أفضل.
ووفقا للتقرير الصادر عام 2020 عن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات بشأن الاتجار بالبشر، هناك 148 دولة اكتشف فيها أكثر من 50 ألف ضحية اتجار بالبشر تم الإبلاغ عنها، وأظهر أن الضحايا من الإناث تشكل النسبة الأساسية بـ65% من جميع ضحايا الاتجار بالبشر، وبالنسبة للضحايا الذكور أظهر التقرير أن 20% من الضحايا رجال بالغين، والـ80% الباقية أطفال يتم استخدامهم في التسول والعمل القسري. وأوضح التقرير أن جرائم الاتجار بالبشر تحدث في كل مناطق العالم، سواء كانت دول المنشأ أو العبور أو المقصد للضحايا أو مزيجا بين الاثنين.
وأظهر التقرير أن أوروبا والشرق الأوسط وأميركا الشمالية وبعض بلدان شرق آسيا والمحيط الهادي تعد وجهات لضحايا الاتجار بالبشر، وخلال الفترة من 2017ـ 2018 اكتشفت دول غرب وجنوب أوروبا ضحايا اتجار بالبشر من 125 جنسية مختلفة، جاءوا من شرق آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء ومن دول شرق أوروبا، وتم استغلالهم للعمل كخدم منازل والزواج القسري والضيافة والترفيه والعمل الجبري.