د. يوسف بن علي المُلَّا:
مرَّ الوقت ولا تزال الجائحة (كوفيد ـ19) تدخل مرحلة جديدة تبدو أكثر خطورة وأكثر تقلُّبًا، حتى بالنسبة للأشخاص المحظوظين بما يكفي لتلقِّي تلك الحقن المنقذة للحياة. وعلى الرغم من ذلك، فمن الإيجابي جدًّا أن نرى أيضًا أنَّ معدل التطعيم في السلطنة وصل إلى 53 في المئة من إجمالي الفئة المستهدفة قبل أيام قليلة.
صحيح قد تكون فرص إصابتك بالمرض الآن منخفضة للغاية، خصوصًا إذا كنت تعد المرض في أسوأ صوره، ولكنَّ الأهم أن نعي بأنَّ اللقاحات فعالة بشكل مذهل في الوقاية من فيروس كورونا، خصوصًا لتلك الحالات التي تؤدي إلى دخول المستشفى أو الوفاة. ولكن من الناحية الواقعية أيضًا لا يوجد لقاح مثالي. فلربما ينتهي الأمر ببعض الأشخاص المحصَّنين ضد الفيروس إلى المرض وأحيانًا بشدَّة. وقد تزداد نسبة الأشخاص المطعَّمين الذين أصيبوا بالفيروس؛ وذلك لأنَّ بعض الطفرات تجعل الفيروس أقل قابلية للتعرف عليه من قبل أجهزة المناعة، وبالتالي يصعب القضاء عليه. وهكذا الأوْلى أن نستمر في التمسك بارتداء كمامات الوجْه لتقليل مخاطر كل هذه النتائج.
أوَليس من المناسب لك أن تدرك بعد كل هذا الوقت أنك إذا أصبت بالعدوى، فلست وحدك الذي سيتأثر؟ بل يجب أن تقلق أيضًا بشأن الأفراد الذين تقابلهم ـ وكثير منهم لا يرتدي الكمامات بشكل جِدِّي أو يتجاهلون ارتداء كمامات الوجْه ـ بل وربما لا يعرفون حالتهم المناعية. وبالتأكيد ستقلق أيضًا حينها بشأن الأطفال الصغار في مجتمعنا، الذين لم يصبحوا مؤهلين إلى الآن للحصول على التحصينات.
وكيفما كان، لا يزال بعض الأشخاص للأسف يستخدمون الكمامات أحيانًا، على الرغم من معرفة أن المرض الذي نتعامل معه مُعدٍ، ونرى بعمق كيف انتشرت تداعيات سلوكنا لمن حولنا، متناسين أهميَّة النظر إليهما (اللقاح وكمام الوجْه) جنبًا إلى جنب، يساعدان بعضهما البعض وليس العكس. فنحن الآن نفهم هذه الفكرة وبشكل جدِّي أفضل من أي وقت مضى: أنَّه من أراد تقليل مخاطر الإصابة بالفيروس وانتقاله يجب أن يستخدم كليهما.
بالطبع، لا أحد يستمتع بارتداء الكمامات أو الاستمرار في التباعد الجسدي. ولكن بالنسبة لي، ويجب أن يكون كذلك بالنسبة لك، أنَّ تقديم المزيد من الأمان ليس تضحية كبيرة. نحن نتابع كيف أنَّ تلك السلالات المتحوِّرة كـ"دلتا" تجد طريقها في كل مكان، بل ومن خلال شقوق الجدران ـ إن صحَّ لي القول ـ ولكن ـ بلا شك ـ تلك الكمامات تقلل من كل هذه المخاطر. وبالأخير إذا انتهى الأمر بنا للحاجة إلى معزِّزات لقاحية أو جرعات إضافية مثلًا، فقد تمنع كمامات الوجْه بعض الأشخاص من الإصابة بالمرض أثناء وصول تلك المعزِّزات، وكأنَّ تلك الكمامات هي أدنى فاكهة معلقة لدينا لكسب الوقت لنا.
وبينما نحن كذلك، فالمثير للاهتمام أيضًا استمرار بعض الناس وادِّعاؤهم ـ للأسف ـ بأنَّ اللقاحات قد تكون في بعض الأحيان خيارًا لاستبدال التزامنا بالمسافة الجسدية أو إزعاج الكمامات. وهنا الأجدى أن يفهم الجميع أنَّ كمامات الوجْه لا تمثِّل شيئًا يقيِّد الحريَّة، بل هي تسمح لك الآن بالدخول إلى مكان معيَّن والقيام بما تحتاج إليه وتخرج! ناهيك أنَّ هذا التحوُّل في التوجيه، بطريقة ما هو بلورة موقف جديد تجاه الكمامات، وموقف من المحتمل أن يستمر بشكل أو بآخر، حتى بعد انتهاء هذه الجائحة رسميًّا.
ختامًا، من المهم الإشارة إلى أنَّه لم يتم تطعيمك؛ لأنَّك أردت التوقف عن ارتداء الكمامة على سبيل المثال. بل لقد تم تطعيمنا؛ لأنَّنا أردنا تقليل فرصنا في الإصابة بهذا الفيروس ونقله للآخرين؛ وبالتالي فإن ارتداء الكمامات مثلها مثل التباعد الجسدي هي بوصلات تأمين تدعونا للتكيُّف، عندما ندرك أنَّ ظروفنا قد تغيَّرت!