ليس ثمَّة في الوجود أثمن من الحياة الإنسانية، ومن توافر الصحَّة وتمتع جميع أفراد المجتمع بالصحَّة الجسديَّة والنَّفْسية؛ فبدون هذه الأُسس لا يستطيع الفرد أنْ يبني ذاته علميًّا وفكريًّا واجتماعيًّا ويُؤدِّي أدواره ومسؤولياته؛ لذلك أخذ الاهتمام بقطاع الصحَّة في السلطنة نصيبه الوافر وجاء في مراكز صدارة الاهتمام الذي أوْلته النهضة العمانية الحديثة، ومرجع ذلك أنَّ بناء الإنسان العماني الذي اتَّخذت منه النهضة المباركة هدفًا ساميًا وغاية جليلة لا يمكن أنْ يتحقق دون توافر الأُسس الكفيلة لهذا البناء، ووجود متطلبات المرحلة.
فالصحَّة تاج على رؤوس الأصحَّاء ـ كما يُقال ـ ولا يعي هذا المعنى إلَّا من حُرم نعمة الصحَّة، والاهتمام بهذا الجانب يجب أنْ يكون ثقافة مجتمعيَّة عامَّة، وسلوكًا شخصيًّا، وحين يصبح الأمر كذلك، فإنَّ انعكاس ذلك يتمثل في مظاهر عديدة، وأوجْه مختلفة، حيث يُولِي الجميع اهتمامهم الشَّخصي بجوانب الصحَّة وأهميَّة أنْ تتوافر المستشفيات والمراكز والعيادات التخصصية، بحيث تصبح الخدمات الصحيَّة والعلاجيَّة متوافرة ومتاحة أمام كُلِّ مَنْ يطلبها.
لقد أوْلت نهضة عُمان الحديثة قطاع الصحَّة اهتمامًا بالغًا، ووضعت الخطط وسخَّرت الإمكانات، ورصدت الميزانيات، فكانت الإنجازات الواسعة في مجال الصحَّة، تمثَّلت في المراكز والمستشفيات الممتدَّة عبر البلاد طولًا وعرضًا والمُزوَّدة بأحدث إمكانات العلاج، وأخذت مظلَّة الرعاية الصحيَّة تغطِّي البلاد وتقدِّم خدماتها لجميع المواطنين والمُقيمين.
ولم تكتفِ هذه المظلَّة الصحيَّة بعطاءات النهضة المباركة فحسب، وإنَّما حظيت بتعاون مجتمعي، حيث أخذت صُوَرُ التكافل والتعاون والعمل الخيري تحجز مكانها في المشهد الوطني، من خلال المسؤولية الاجتماعية وما يقدِّمه المتطوعون والميسورون لدعم احتياجات المجتمع في كُلِّ محافظة وولاية، في انعكاس جميل ورائع لصورة الترابط والتعاون بين الحكومة والقطاعيْنِ الخاص والأهلي.
ومن بيْنِ هذه الصُّوَر، تأتي المبادرة المجتمعيَّة لتحسين مرافق مركز منح الصحِّي؛ وذلك في إطار التعاون القائم بين المؤسَّسات الصحيَّة وأفراد المجتمع للإسهام في دفع عجلة التنمية وزيادة خدمات الرعاية الصحيَّة والرفع من كفاءتها. وجاء تنفيذ هذه المبادرة بالشراكة بين المؤسسة الصحيَّة بالولاية وأفراد المجتمع والقطاع الخاص من أجْل تحسين جودة الخدمات الصحيَّة المقدَّمة لأبناء الولاية والمراجعين بشكْلٍ عام مما ينعكس إيجابًا على صحَّة المواطن، إضافة إلى رفع الكفاءة التشغيلية للمركز الصحِّي بمستوى أعلى ليتناسب مع كثافة المُراجعين.
وقد هدفت المبادرة إلى توسعة المخزن الطبِّي بالمركز من أجْل استيعاب كميَّة أكبر من الأدوية والمواد الطبيَّة والمختبريَّة بمساحة بلغت 90 مترًا مربعًا، وصيدليَّة للرِّجال والنِّساء بمساحة بلغت 100 متر مربع وغرفة للاستشارات الدوائيَّة وأخرى للحاسب الآلي، إضافة إلى توسعة غرفة للعلاج وغرفة للملاحظة وتخطيط القَلْب.
إنَّ هذه المبادرات المجتمعيَّة تُعدُّ حافزًا قويًّا للجميع، وتشجيعًا لمزيد من المشاركة التطوعيَّة نقدًا وعَيْنًا وجهدًا لتنفيذ مجموعة من المشروعات لها صفة النَّفع العام في مختلف المحافظات والولايات، وهي ـ بلا شك ـ تُعبِّر عن أخلاقيات وترابط وتكافل أبناء هذا الوطن، وعن فطرتهم المجبولة على التراحم والتواصل، والحرص على المرافق العامَّة، كما تمثِّل هذه المبادرة حافزًا للقطاع الخاص لمزيد من العطاء والمبادرات تجاه الالتزام بالمسؤوليَّة الاجتماعيَّة.