[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
فرض الحديث عن مشروع القرار الفلسطيني إلى مجلس الأمن الدولي لتحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وفق حدود عام 1967 ذاته ليس على الساحة الفلسطينية وحدها، وإنما على الساحة الدولية والساحة الصهيونية داخل كيان الاحتلال الصهيوني أو داخل اللوبيات الصهيونية الداعمة لهذا الكيان المسخ.
وفيما تشهد الساحة الفلسطينية احتدامًا بين الآراء المؤيدة لمشروع القرار والرافضة له، تنشط الساحة المقابلة المؤيدة والداعمة للاحتلال الصهيوني لتمييع المشروع وتفريغه من مضامينه، حيث لا تزال عمليات القص واللصق والحذف والإضافة قائمة ومستمرة حسبما أكدت السلطة الفلسطينية نفسها مشيرة إلى أنها أدخلت أربعة تعديلات على مشروع القرار المقدم باللون الأزرق للتصويت عليه في مجلس الأمن الدولي.
صحيح أن مشروع القرار الفلسطيني أنيطت مسؤولية تفريغه وتمييعه إلى فرنسا الحليف الاستراتيجي للاحتلال الصهيوني ومتابعة ذلك خاصة بعد الاجتماع الرباعي الشهير الذي جمع مؤخرًا في باريس كلًّا من وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، إلا أن المشروع في حد ذاته يعد محكًّا حقيقيًّا لاختبار مصداقية الدول الأربع فيما يعلنه قادتها وسفراء سياساتها من رفض للممارسات الصهيونية وخاصة الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية بما يمنع حل الدولتين، ومصداقية أحاديثهم عن اهتمامهم بحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، حيث يكشف الرفض الغربي لمشروع القرار في جانبه الخفي حقيقة التدخلات الحاصلة في شؤون دول المنطقة والهجمة العسكرية الشرسة تحت مسميات محاربة "داعش" ومساعدة شعوب "الصقيع العربي"، التي ثبت أن تطلعاتها تتمثل في الحصول على دفء النيران المنبعثة من السلاح الغربي المتدفق بقيادة الولايات المتحدة لحظة تدميره البنى الأساسية للدول المستهدفة، ورغبة "الأحرار" في كرسي تلقي به قاذفة مقاتلة أو تطلقه بارجة حربية، وفي "جينز" يغطون به ... للتدليل على أنهم قد شربوا من كؤوس الديمقراطية والحرية الغربية، وعلى موائدهم الكنتاكي والماكدونالدز والبرجر وغيرها. في حين تحت هذه المسميات القتَّالة والمُهلِكة يتم تدمير دول المنطقة وحدودها وتشظيتها إلى كيانات طائفية متناحرة لصالح كيان الاحتلال الصهيوني الذي تمضي خطى تمييع مشروع القرار الفلسطيني بثبات نحو النهاية التي ارتسمت في عقل المخطط الغربي الداعم للاحتلال الصهيوني الذي يتبقى عليه دور واحد، وهو أن يحفر قبرًا جديدًا يدفن فيه هذا المشروع ـ حتى لو أقر ـ إلى جانب الأضرحة التي ترقد فيها "بسلام" القرارات الأممية الخاصة بالقضية الفلسطينية والتي تكتظ بها ساحة منظمة الأمم المتحدة، ولا بأس إن رغب المحتلون الصهاينة مساعدة من حلفائهم الاستراتيجيين في عملية الحفر أو آليات تضمن لهم عدم نبش القبر بعد غلقه، مثلما ضمنت لهم القبور السابقة.
وأمام هذا الاحتمال القائم وبقوة، يراهن الفلسطينيون على ما بدأته البرلمانات الأوروبية من تصويت للاعتراف بالدولة الفلسطينية لاختراق الحواجز الإسمنتية الموضوعة أمامهم، من زاوية أن هذه البرلمانات شرعية ومنتخبة وأصواتها وقراراتها وقوانينها لها الصفة الاعتبارية. وفي تقديري من خلال النظر إلى دور هذه البرلمانات والدوافع التي أدت إلى التصويت لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمكن الخروج بعدد من الاستنتاجات:
أولًا: التصويت فيه اعتراف بالخطأ التاريخي الذي ارتكبه الغرب في اغتصاب أرض الشعب الفلسطيني لصالح مرتزقة وعصابات عانت منها أوروبا تحديدًا ردحًا من الزمن، وكذلك فيه اعتراف بالحق الفلسطيني في أرضه وإقامة دولته المستقلة عليها، والأهم من ذلك هو الاعتراف بأن الاحتلال الصهيوني واغتصاب جزء من الأرض العربية له مكانته الدينية والإنسانية والحضارية والتاريخية سبب مباشر في عدم الاستقرار، وظهور العنف والإرهاب وتهديد المصالح الغربية المتحالفة والداعمة للاحتلال الصهيوني ومساندته في قمع أصحاب الحق الشرعيين.
ثانيًا: التصويت هو محاولة ذكية ـ رغم أنها واجبة قانونيًّا وشرعيًّا ـ لتجنيب المجتمعات الأوروبية من أي ارتدادات للإرهاب الذي اضطلعت به بعض الدول الأوروبية وتحالفت معه ومع عصاباته، والتظاهر أمام العالم بأن هذه البرلمانات المعبرة عن رأي شعوبها هي معترفة بالحق الفلسطيني ومؤيدة له، فالاعتراف في المقام الأول هو رسالة لتلك العصابات الإرهابية الخادمة للمشروع الصهيو ـ غربي بأننا مثلما ندعمكم بالمال والسلاح وبالسياسة لتحقيق تطلعاتكم ندعم أيضًا الشعب الفلسطيني في نيل حقه وتطلعاته ونصرة قضيته العادلة. بدليل أن أغلب أعضاء هذه البرلمانات إما صهاينة أو موالون للصهيونية والاحتلال الصهيوني، فضلًا عن أنها برلمانات منتخبة لها فترة عملها؛ أي أعضاؤها يتبدلون وفق آلية الترشيح والانتخاب، وما يقره البرلمان في هذه الفترة من الممكن أن ينقضه البرلمان القادم.
ثالثًا: وهذا مرتبط بسابقه، فالتصويت أيضًا هو محاولة ـ وإن كانت مكشوفة ومفضوحة ـ لتثبيت ما هو قائم من تحالفات بين الإرهاب وعصاباته والممولين والمشغِّلين من الحكومات الغربية وإيهام عصابات الإرهاب أن التصويت البرلماني بالاعتراف بالدولة الفلسطينية هو البداية ليس إلا، وبالتالي مثلما ندعمكم في تدمير دولكم، سندعم الشعب الفلسطيني لاحقًا لنيل حقوقه المشروعة.
إذن، لا بد من الاعتراف أن المنطقة عامة القضية الفلسطينية خاصة مقبلتان على أوضاع مأساوية، لأن المنطقة في ظل الهجمة الإرهابية العدوانية والدعم غير المسبوق للعصابات الإرهابية، وعمليات التدمير والقتل الممنهجة ووسط عمليات الإفقار المقصودة والممنهجة سواء بخفض أسعار النفط أو الغلاء أو تدمير الزراعة، ستظل عاجزة عن دعم القضية الفلسطينية، إذ إن الجميع سيكون كل واحد منهم مشغولًا بنفسه باحثًا عن لقمة عيشه، هذا إن لم تشهد المنطقة بأسرها "الصقيع العربي" الذي أراده الصهيو ـ غربي لها.