الإرهاب الذي رُكِّبَ في جسم المؤامرة التي تستهدف سوريا لم يكن الهدف منه هو تدمير البنية التحتية والمؤسسات المسؤولة عن حماية الدولة، وإبادة شعبها وتهجيرهم من مدنهم وقراهم فحسب، وإنما الهدف هو اغتيال الدولة السورية بكل ما تحمله من معنى سياسي واقتصادي واجتماعي وديني وتراثي وأمني تحت شعار "الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان"، وستار "دعم الشعب السوري حتى تحقيق تطلعاته".
ومن ينظر اليوم إلى الحال التي وصلت إليها سوريا، والمآل الذي اختير بعناية فائقة للشعب السوري، يكتشف زيف تلك الشعارات والأستار، وأنها لم تكن سوى وسيلة لتحقيق أهداف المؤامرة، ولذلك يلاحظ أن بداية الاستهداف بدأت من خطوات سياسية مقرونة بعقوبات اقتصادية ظالمة موجهة خصيصًا ضد الشعب السوري، وسط دعم غير محدود للإرهاب وتحرك محموم ومستمر لتكوين عصابات إرهابية موكل إليها وظائف محددة. ومن بين هذه الوظائف ليس عملية التدمير وارتكاب المجازر بحق المدنيين فقط، بل إن من ضمن صميم وظائف الإرهابيين طمس التراث المادي وغير المادي والمنقول بالدولة السورية لكون ذلك جزءًا لا يتجزأ من مؤامرة تفتيت سوريا وطمس حضارتها وتاريخها.
وما يثير الأسى والألم والمرارة هو أنه في الوقت الذي ظلت فيه الأمم المتحدة طوال أربع سنوات تحصي فيه ضحايا الإرهاب السوريين في تقارير استقت أرقامها من العصابات الإرهابية المسلحة والداعمين لها وتتهم الحكومة السورية بقتلهم، خرج مؤخرًا صوت المنظمة الدولية ناثرًا مشاعر الحزن على الإرهاب الذي ظلت صامتة عنه أو غاضة الطرف عنه طوال السنوات الأربع والذي يستهدف التراث والحضارة في سوريا، حيث قال التقرير الذي نشره أمس معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث إن "مناطق مثل حلب حيث يعود تاريخ السكن فيها إلى سبعة آلاف سنة ودمشق وقلعة الحصن والرقة وتدمر أصيبت بأضرار كبيرة". وركز المعهد في بحثه هذا على 18 منطقة في سوريا، معتمدًا بشكل خاص على صور الأقمار الاصطناعية، حيث تمكن من تحديد الأضرار في 290 موقعًا أثريًّا مختلفًا، إذ تعرض 24 منها للتدمير و104 لأضرار جسيمة و85 لأضرار متوسطة و77 لأضرار مختلفة. ورأى المعهد الذي حصل على مواد التقرير عبر برنامج "يونوسات" المتخصص بتحليل صور الأقمار الاصطناعية أن "هذا التحليل هو بمثابة شهادة على خطورة الأضرار التي تصيب الآثار في سوريا"، داعيًا إلى "جهود وطنية ودولية لحماية هذه المواقع". مؤكدًا "أنه أمر محزن بالنسبة إلى سوريا وبالنسبة إلى العالم. الإنسانية تخسر آلاف السنين من إرثها".
والسؤال الذي يطرح نفسه إزاء هذه الجريمة الإرهابية التاريخية هو: من يتحمل مسؤولية هذا التدمير الإرهابي للحضارة والتراث والتاريخ؟ أليس من قام بهذه الجريمة هم ذاتهم الذين قاموا بها في العراق وفي ليبيا ويقومون بها في فلسطين من نهب وتدمير وطمس لكل الآثار والمعالم الحضارية والتاريخية؟
إنها بلا شك مؤامرة مكتملة الأركان لا تستهدف النظام والإنسان السوري وحدهما، وإنما تستهدف كل ما يمت لسوريا بصلة هويةً وحضارةً وتاريخًا وآثارًا وتراثًا وشعبًا وفكرًا وثقافةً وتعايشًا وتسامحًا وبنى أساسية ومؤسسات عسكرية وأمنية. إن من قَبِلَ أن يعمل خادمًا لصهيوني وغربي مستعمِر وقبل أن يزهق روحًا بريئة مقابل وريقات خضراء قذرة لن يتورع عن أن يدمر تراثًا وينهب آثارًا لصالح مشغِّليه وأسياده.