حامد مرسي:
يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:(ورحمتي وسعت كل شيء)(الأعراف ـ 156)، يقول المفسرون: هذه آية عظيمة الشمول والعموم تبين أن رحمة الله وسعت كل شيء من الخلق حتى أن الحيوانات لها رحمة وعطف على ولدها وصغيرها، ولما نزلت هذه الآية الكريمة قال إبليس: إن رحمة الله تشملني لأنني شيء من الأشياء فخيب الله أمله، وأنزل قوله تعالى: (فسأكتبها للذين يتقون)، والشيطان لا يخاف الله ولا يتقيه، وقالت اليهود والنصارى: إن رحمة الله تشملنا فخيب الله أملهم وأنزل قوله:(الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) واليهود والنصارى لا يتبعون الرسول (صلى الله عليه وسلم) على دينه والله عز وجل له رحمتان: رحمة عامة ورحمة خاصة، أما الرحمة العامة فيها خلق الله الخلق وأنزل الكتب والشرائع وسخّر الشمس والقمر بحسبان ورفع السماوات بلا عمد ووضع الميزان ومهّد الأرض للأنام وأنبت فيها ما لا غنى لحياة الناس عنه من الفاكهة والنخل والحب والريحان .. إلى آخر تلك النعم التي لا يستطيع مخلوق من الإنس والجن أو من غيرهما أن يوجد شيئًا منها أو أن يجحدها وينكرها، فهذه النعم كلها كانت بفضل الله تعالى ورحمته العامة ميّسرة للبر والفاجر والمؤمن والكافر، وأما الرحمة الخاصة وهى تكون للمؤمنين وحدهم يوم القيامة يرحمهم الله ويدخلهم الجنة وهؤلاء ينتفعون بأعمالهم في الدنيا والآخرة بخلاف الكافر فلا تنفعه أعماله هذه إلا في الدنيا فقط، قال تعالى:(من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب)(الشورى ـ 20)، والمتأمل في سنة الحبيب يرى الكثير والكثير من الأحاديث التي تدل على سعة رحمة الله سبحانه وتعالى وآيات قرآنية تذكرنا برحمة الله تعالى:(إنّ الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (النساء ـ 48)، وقال تعالى:(قل لعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم)(النساء ـ 110)، ومن الأحاديث التي تدل على هذا المعنى قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إنّ لله مائة رحمة عنده تسعة وتسعون وجعل عندكم واحدة تتراحمون بها بين الجن والإنس وبين الخلق فإذا كان يوم القيامة ضمها إليه)(رواه أحمد)، وروى البخاري ومسلم عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(أنه إذا كان يوم القيامة أخرج الله كتابًا من تحت العرش فيه إن رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين فيخرج من النار مثلاً أهل الجنة)، وأخرج الترمذي عن أنس عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:(يقول الله عز وجل يوم القيامة: أخرجوا من النار من ذكرني يومًا أو خافني في مقام)، وهذا حديث حسن غريب، وأخرج النسائي بسند صحيح عن جابر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:(إذا جمع الله أهل النار في النار ومن شاء الله معهم من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين ألم تكونوا مسلمين قالوا: بلى. فيقولون: ما أغنى عنكم إسلامكم إذا أنتم معنا في النار، فيقولون: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فيسمع الله عز وجل ما قالوا فيأمر بإخراج من كان في النار من أهل القبلة فيخرجون، فإذا رأى الكفار ذلك قالوا: ياليتنا كنا مسلمين فنخرج كما أخرجوا ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)(ربُما يودُّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين)، وروى البخاري ومسلم عن سيدنا عمر بن الخطاب عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (أرحم بعبده المؤمن من الوالدة الشفيقة بولدها)، وقال سيدنا جابر بن عبد الله:(من زادت حسناته على سيئاته يوم القيامة فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته مع سيئاته فذلك الذي يحاسب حسابًا يسيرًا، ثم يدخل الجنة، وإنما شفاعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لمن أوبق نفسه وأثقل ظهره، ويروى أن الله عز وجل قال لموسى (عليه السلام):(يا موسى استغاث بك قارون فلم تغثه وعزتي وجلالي لو إستغاث بي لأغيثته وعفوت عنه)، وأخرج مسلم عن عبادة بل الصامت قال:(من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حرمه الله على النار)، وعن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلًا كل سجل منها مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئًا، أظلمتك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يارب. فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يارب. فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول: يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم. قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، قال: فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء) (رواه ابن ماجة والترمذي) وهو معروف بحديث البطاقة .. هذا والله أعلم.
* إمام مسجد بني تميم بعبري