كتب ـ خميس السلطي
أوصى المؤتمر العربي السادس للترجمة "المعرفة والترجمة والتنمية"، في ختام فعالياته أمس بالنادي الثقافي بالقرم، بعدد من النقاط ذات الأهمية الكبرى في مجال الترجمة والعلوم اللغوية والمعرفية، وذلك من خلال بيان ألقاه الشيخ محمد بن عبدالله الحارثي رئيس اتحاد المترجمين العرب، وتمثلت هذه النقاط في دعوة الدول العربية ومؤسساتها المتخصصة لكي تتبنى تجربة المنظمة العربية للترجمة الناشطة في مجالات نقل المعرفة وتوحيد المصطلحات ونشر الكتاب المُترجَم على أوسع نطاق؛ وتأسيس واحات للترجمة في مختلف الأقطار العربية تُعنى بمجال الترجمة واللغة العربية وإدارة المعرفة؛ والتأكيد على إعداد سياسات وطنية للترجمة واللغة العربية لتمكين المجتمع العربي من التحول إلى مجتمع منتجٍ للمعرفة؛ والتركيز على الترجمة العلمية ووضع برامج لإنجاز أساسيات العلوم التطبيقية ووضع المحفّزات الكفيلة للقيام بمشاريع لترجمة العلوم والتكنولوجيا، وتعزيز تداول اللغة العربية باعتبارها عنصراً من عناصر الهوية وأداة من أدوات الانتاج واعتمادها أساساً في تعليم كافة المواد في جميع المراحل الدراسية، وهو ما يستلزم العمل على نقل العلوم والمعارف وتعريب المناهج الدراسية؛ والعمل على تعريب العلوم في مرحلة التعليم العالي على طريق التحول إلى مجتمع المعرفة والاقتصاد، مع إيجاد معايير تحفيزيّة لوضع المصطلحات العربية المستحدثة قيد التداول؛وتشجيع الترجمة التشاركية للكتب المرجعية بالتعاون مع كبار الخبراء الاختصاصيين والعلماء العرب لغرض الإسراع في نقل المعرفة والعلوم والتقانات، إضافة إلى تنظيم هياكل لإدارة المصطلح يضاهي تجارب الأمم الأخرى سابقاً وحاضراً والتعاون مع المنظمات العلمية لذلك، مع تكثيف الجهود لوضع آلية جديدة لصناعة الترجمة تستوعب جيل الشباب وتستفيد من خبرات المترجمين الذين أسهموا إسهامات فعالة في تطوير الترجمة ونقل العلوم والعربية، والعمل على إعداد مسارد معرفية ثقافية إلكترونية تشمل المفاهيم الاصطلاحية في العربية وتكون بمتناول المترجمين العرب، واستقطاب أساتذة وباحثين من خارج العالم العربي يجيدون اللغة العربية ويمتلكون تجارب ناجحة ورائدة في حقل الترجمة للاستفادة من خبراتهم بغية إغناء المساقات الثقافية وتنمية الفكر والعلوم والتقانات في الوطن العربي، واستكمال العمل الإحصائي الذي باشر اتحاد المترجمين العرب القيام به في بيروت، وتعميم هذه التجربة على سائر الدول العربية لتعريف الجمهور بالنتاج الترجمي وتلافياً لازدواجية الترجمة العربية وتمكيناً للعاملين والمهتمين من معرفة اللغات المصدر وتحديد المجالات وإيجاد المترجمين المتخصصين، والعمل على تنظيم مؤتمر خاص بترجمة مصطلحات الفكر الإسلامي ودعوة المؤسسات التعليمية والثقافية إلى إيلاء هذا المجال الاهتمام الذي يستحقه بالنظر لاتساع دائرة الترجمة الدينية من العربية إلى اللغات الأخرى وحاجة هذا المجال للرعاية والتدقيق، ودعوة المترجمين العرب للانتساب إلى اتحاد المترجمين العرب تعزيزاً لصناعة الترجمة في الوطن العربي ودعماً للتواصل البنّاء فيما بينهم، وتجميعاً لجهودهم وصوناً لحقوقهم ودفاعاً عن مصالحهم. كما ثمّن المشاركون في هذا المؤتمر السادس في مسقط جهود المنظمين والباحثين والحاضرين والمتداخلين الذين شكلوا من خلال مساهماتهم إضافة نوعية إلى المسار الثقافي العربي، فقد أكدوا أن العربية كانت ولا تزال لغة علم وثقافة ومعرفة وتواصل، موسومة بالمرونة والطواعية والبلاغة والإبانة.
وقبيل صدور بيان المؤتمر تم تناول المحاور الأخيرة ، وهي محور "الترجمة بين النقل والمثاقفة" وتضمن ثلاث أوراق عمل الأولى لعلي نجيب إبراهيم بعنوان "ترجمة المصطلح وصقل المترجم معرفيا"، ذهبت هذه الورقة إلى تحديد الآلية التي تُسهم الترجمة من خلالها في صقل المترجِم معرفياً، وذلك من سياقَين عريضَين، والأول يتعلَّق بالخبرة اللغوية التي تعكِس تعمُّقَّا في منطق الفرنسية والعربية في تسمية الأشياء والتعبير عنها، وذلك من زاوية معرفية تدرس العلاقة بين الفكرة والتصوُّر، والمفهوم، والمصطلح من جهة، وكيفية توليد الألفاظ لاستيعاب تفرُّعات المعاني اللانهائية من جهة أخرى. وذلك ضمن ثلاثة أنحاء من الوجود الذي تمنحه اللغة للأشياء : الوجود باللفظ، والوجود بصورة الألفاظ، والوجود بالأفكار الخالصة ،إضافة إلى سياق ثقافي أعمّ وهو يحمل المترجم على مراجعة معلوماته وتدقيقها وعلى مزيد من القراءة، وهنا يتحوَّل عمل المترجم إلى تحصيل واكتشاف لا يستطيع من دونهما تقديم ترجمة أصيلة خلاقة.
وقدم محمد الديداوي ورقة عمل ثانية في هذا المحور بعنوان "ثلاثية الترجمة: النقل والتأصيل والمثقافة"، تطرقت الورقة إلى القيام على تجربة مكتسبة في الترجمة واستنادا إلى حالات ملموسة، بتفكيك عملية الترجمة من شتى جوانبها كناقلةٍ معرفية وثقافية وكمكوّن ومحفِّزٍ للصرح المعرفي العربي، من أجل استخلاص الحل المفيد، مع طرح عدة تساؤلات أهمها تعريف المترجم، أولا وقبل كل شيء، وما هي ضرورة الترجمة الكلاسيكية وما دورها، لاسيما وقد تغيرت الأوضاع، وهل أيمكن التعميم، في عصر انتشار اللغات، واعتبار الترجمة بأنها مجرد التدرج والتحول والترقي كتابةً في اللغة الواحدة عند متعددي اللغات بوحيٍ من اللغات الأخرى وأخذاً منها أو مجرد الخروج من نطاق اللغة المنفردة والتعامل مع أكثر من اللغة باستقاء المعلومة من أيٍّ منها. الورقة أجابت بشفافية أيضا على أن للترجمة مفهوما عاما ومبهما ومعه مفهوم المترجم، وغالبا ما تُختصر الترجمة في ثنائية الحرفية والتصرف، بينما تتجاوز هذا الإطار كثيراً ومن الأمور التي تحكمها الغرض المتوخى منها. وما النقل سوى مرحلة أولية من مراحل العملية الإبداعية والكتابية والتأليفية.
فيما ألقى شكري رجيلي ورقة عمل بعنوان "في تصميم المدونات النصية وأثرها على اللغة العربية وعلوم الترجمة"، وأوضحت ورقة عمله على أن المدونات النصية أصبحت اليوم ركيزة من ركائز البحث اللساني تستغل نتائجها الباهرة في مجالات عدة مثل الدراسات المعجمية والنحوية والتركيبية والدلالية وصناعة القواميس بجميع أنواعها والترجمة الآلية وعلم الترجمة النظري وغيرها من الاختصاصات اللغوية، كما تعتبر لسانيات المدونة مصدرا مهما من مصادر المعرفة اللغوية وأفقا رحبا أمام تجويد الدراسات اللغوية عموما والمعجمية والمصطلحية وعلم الترجمة تحديدا ولهذا السبب أضحى تصور مشروع لتصميم مدونات نصية عربية ضرورة، موضحة الورقة أن المدونات تتفرع حسب أدبيات المسألة وتعدد حسب غايات تصميمها وبنائها ، إذ تختص المدونات أحادية اللغة باستكشاف الوحدات اللغوية من حيث تاريخها ونشأتها وتطورها وسياق استعمالها الحديث بينما تهتم المدونات المزدوجة اللغة أو المدونات المتوازية بتطوير علم الترجمة.
أما المحور الأخير من هذا المؤتمر فجاء بعنوان "ترجمة مصادر المعلومات المفتوحة ومصطلحاتها بين الدقة والتضليل، وتضمن ثلاث أوراق عمل، الأولى بعنوان "كيفية التعرف الآلي على التعريف لخدمة المترجم" وقدمها غسان مراد، أما الورقة الثانية فكانت بعنوان "الترجمة الى العربية ومحاولة تأسيس مصطلحات علم للترجمة" ويقدمها حسن حمزة، فيما الورقة الثالثة والأخيرة بعنوان "مصطلحات الفقه الإسلامي باللغة الفرنسية" وقدمها حسام سباط، وتلخصت أوراق هذا المحور حول ترجمة مصادر المعلومات المفتوحة بین الدقة والتضلیل والكمّ الهائل من مصادر المعلومات المفتوحة وتصنیف جودته وسیاقاته ومدى دقة الترجمة والهدف، إضافة إلى الأسباب المساهمة التي قد تجعلها مضللة أو غیر دقیقة وعكس ذلك، وأثرها الإیجابي والسلبي على مستقبل اللغة والترجمة والمجتمع.