[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/nawafabohyga.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]نواف أبو الهيجاء[/author]
الوزير الشهيد زياد أبو العين قيادي لم يعشق المكاتب، ولم يكن إلا مع الناس في الوطن المحتل لمكافحة آفات العنصريين المتطرفين الموجهة ضد البشر والشجر في أنحاء فلسطين وبالذات شجر الزيتون. لذلك نزل يشارك في مقاومة العسف الصهيوني بزرع وغرس الزيتون. تصدى له المحتلون ضربوه على صدره ومن ثم أوسعوه استنشاقا للغاز فقضى.
الغضب الشعبي في الضفة تصاعد وانطلقت أصوات تطالب حركة (فتح) أن تعود إلى ممارسة المقاومة المسلحة خاصة بعد عقدين كاملين من سلوك درب المفاوضات دون أي جدوى. وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بالدعوات إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة ليس فقط ردا على اغتيال وزير (فتحاوي)، بل كذلك ردا على ممارسات العدو في القدس والأقصى وقراراته الخاصة يبهودية الكيان الصهيوني إلى جانب استمرار الحصار على أهلنا في القطاع. هذه الأصوات أكدت أن السيل قد بلغ الزبى ولم يعد في قوس الصبر منزع بعد انتظار فلسطيني لاستعادة الحقوق امتد إلى أكثر من ستة وستين عاما. كما أن هذه الأصوات أعادت إلى الذاكرة حقيقة أن المحتلين الصهاينة لا يعرفون ولا يفهمون إلا لغة القوة ولا يتراجعون إلا أمام القوة المتصدية لهم، وفي تاريخ الصراع شواهد مثل هزيمتهم في جنوب لبنان ومثل اضطرارهم الانسحاب من قطاع غزة ومن طرف واحد حين تصدى لهم الغزيون وأوقعوا في صفوفهم الخسائر البشرية بصورة يومية.
وإذا كانت الحكومة في رام الله قد أصدرت بيانا (شديد اللهجة)، وإذا كان المتحدثون باسم الرئاسة والسلطة قد هددوا بالانتساب إلى بيان روما واعتبار قتل أبي العين جريمة حرب، كما عمدت الرئاسة إلى إعلان (وقف) التعاون والتنسيق الأمني مع الاحتلال ـ وهو ناتج عن التمسك باتفاقية أوسلو ـ إلا أن ذلك لم يقنع المواطن الفلسطيني. كما أن التنسيق الأمني لم يتوقف بحسب الوقائع على الطبيعة. كما أن المواطن الفلسطيني يضغط ليس فقط لوقف التعاون الأمني وإنما لإلغائه، وليس فقط الحديث عن (روما) بل بخطوة على الطبيعة تؤكد هذا التوجه، إضافة إلى فك قيود القوى الفلسطينية المتطلعة إلى مقاومة شعبية مسلحة هي ممارسة مشروعة أقرها القانون الدولي في وجه أي قوة احتلال في العالم.
إلا أن أصواتا أخرى انطلقت تطالب بـ(التعقل) وعدم التسرع .. ومنح السلطة والقيادة الوقت لكي تعالج الموضوع بحكمة. وكأن ما يحدث مجرد أمر عرضي وليس ثمة التخطيط الصهيوني المبرمج لتحقيق (يهودية الدولة) وضم القدس ورفض الانسحاب إلى خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967م.. والاعتراف للفلسطينيين بحق العودة إلى وطنهم. هذه الأصوات (العاقلة) تريد أن يبقى الوضع على ما هو عليه. إنها أصوات مستفيدين من الحالة التي أوجدتها اتفاقية أوسلو ومنذ إنفاذها في العام 1994. وهي تتبرقع بـ(المنطق والواقعية والتعقل) لتبرير رفضها العملي ممارسة الشعب الفلسطيني حقه في مقاومة الاحتلال بالقوة ـ وهي أصوات تزين التخاذل بورق سوليفان ملون ومخادع. فالعقل لا يقبل ظلما وجورا وعسفا حاق بهذا الشعب على مدى يقرب من سبعة عقود. والعقل لا يقبل أن يفلت القتلة والمجرمون العنصريون من العقاب دائما. كم من الكوادر والقيادات اغتال الصهاينة في داخل فلسطين وخارجها على السواء؟ كم من أهل فلسطين قتلوا؟ حتى الأمس القريب أمطر المحتلون القطاع وعلى مدى واحد وخمسين يوما بكل أسباب الموت والقتل والدمار فقتلوا وجرحوا الآلاف وشردوا عشرات الآلاف وهدموا ونسفوا آلاف البيوت؟
الحقوق لا تعود بالتوسل والرجاء بل تنتزع انتزاعا وبالقوة التي يجب أن يمارسها صاحب الحق مع ضرورة إدراك أن بين (التعقل والحكمة) من جهة و(التخاذل) من جهة أخرى مجرد خيط واهٍ.