تقدم تطورات الأحداث على الساحة الفلسطينية بشكل عام وعلى الساحة الغزية بشكل خاص المسلك الذي لا يزال كيان الاحتلال الإسرائيلي يعزف على أوتاره حين تحاصره الظروف والأحداث ومتغيراتها ألا وهو الهروب إلى الأمام وإعادة فتح أدراجه لإخراج ما اعتاد عليه من سياسة خلط الأوراق والتشويش.
العدوان الإرهابي الذي شنه الاحتلال الإسرائيلي على بلدة القرارة شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة أمس الأول والذي أدى إلى سقوط شهيد، وقبله الغارة الإرهابية العدوانية على القطاع بزعم الرد على صاروخ أطلق منه باتجاه المغتصبات الفلسطينية، وكذلك عودة تدوير أسطوانة شن عدوان عسكري إرهابي على غزة لتدمير "البنية التحتية لحركة حماس"، كل ذلك يندرج في إطار ما سقناه آنفًا وهو محاولة خلط الأوراق والتشويش على الجهود الفلسطينية لتقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي لإنهاء الاحتلال وفق حدود عام 1967.
وفي استقراء هذه التطورات، وفي ظل الإصرار الفلسطيني على إكمال مشوار نقل المعركة مع الاحتلال إلى المؤسسات الدولية ومجلس الأمن، واتخاذ وسائل أخرى لمواجهة عملية الإفشال المقصودة لمشروع القرار بالفيتو الأميركي، فإنه من غير المستبعد أن يلجأ كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى ارتكاب حماقة أخرى، سواء كانت في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو في مكان آخر. فقد أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس حول احتمالات التعطيل والإفشال لمشروع القرار في مجلس الأمن بالقول "إن لم يمر المشروع العربي ـ الفلسطيني المقدم لدى مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال، سنتخذ جملة من الخطوات السياسية والقانونية التي ستكون لها تداعياتها، وإذا فشلنا، سنوقف كافة التعامل مع الحكومة الإسرائيلية، ونطلب منها تحمل كل مسؤولياتها كدولة احتلال".
من المؤكد أن هذه الخروق الإسرائيلية وهذا التلويح بالعدوان من جانب قادة الاحتلال الإسرائيلي تستكمل الإضاءة على دهاليز مستجدات الأحداث في ضوء ما يسمى "الربيع العربي" وما تمخض عنها من علاقات فوق الطاولة وتحتها، ووراء الكواليس وأمامها بين المحتلين الصهاينة والمتاجرين بالقضية الفلسطينية والمتسترين بشعارات دعم القضية ونصرة الشعب الفلسطيني وكذلك المتسترين بشعارات الحرية والديمقراطية والعدالة وبشعارات إسلامية، وما فرضته هذه العلاقات من معادلات إضافية، وما أملته من تغيير في لبوس هنا وهناك، في حين أخذ المحتل الإسرائيلي يحصي أرباحه مُقَدِّمًا كشف حساب يوضح فيه الفارق بين حصاد ما قبل موجة "الربيع العربي" وما بعد الموجة، حيث لم يستطع انتظار للإفصاح عن كشفه ليسرد على رؤوس الأشهاد ما امتلأت به سلته من عائدات العلاقات العضوية والأدوار الوظيفية لـ"الأحرار" والساسة المراهقين الراكبين لموجة "الربيع العربي"، مرسِلًا إشاراته بأن جردة الحساب هذه كافية لتغيير دفة الأحداث وتعديل خريطة الإحداثيات لصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي، مُزجيًا شكره الجزيل إلى (ثوار/أحرار ومراهقي الربيع العربي) على خدماتهم وأدوارهم التي لن تنسى لا عربيًّا ولا إسرائيليًّا. ولذلك لا غرابة أن يرتكب حماقة جديدة قد تستهدف السلطة أو شخص الرئيس عباس ذاته لخلط الأوراق والتشويش وضرب الجهود الفلسطينية القائمة.