علي بدوان:
بدت بريطانيا، وفي خطوات سياسية جديدة، تصطف إلى جانب باقي مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، في تفضيل علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع جمهورية الصين الشعبية، والابتعاد النسبي، ولو بحدودٍ معينة عن المواقف الأميركية ذات الطابع الاقتصادي والتجاري. وذلك بالرغم من خروج بريطانيا من اتفاق (بريكست) قبل عدة سنوات، وتحديدا في 29 آذار/مارس 2017، من دول الاتحاد الأوروبي بعد تصويتٍ شعبي. أي بعد الاستفتاء الشعبي العام الذي حصل في 23 حزيران/يونيو 2016، حيث صوت 51.9 في المئة من الجمهور البريطاني لصالح الانسحاب من مجموعة دول الاتحاد. في حين أن المؤيدين لوحدة أوروبا، والذين يمتلكون شعبية سياسية بحدودٍ معينة قد دعوا إلى استمرار عضوية بريطانيا في مجموعة دول الاتحاد الأوروبي.
الموقف البريطاني إياه، كان واضحا وفصيحا، حين لاقت الإجراءات الأميركية الأحادية لمنع التداول بتسويق النفط والتجارة والاقتصاد مع إيران، لاقت احتجاجات بريطانية، وأوروبية واسعة على وجه الدقة، خصوصا من قبل ألمانيا وفرنسا، فقال وزير خارجية ألمانيا في حينها: "يجب على أوروبا ألا تسمح للولايات المتحدة بالتصرف فوق رؤوسنا وعلى حسابنا. لهذا السبب، من الضروري أن نُعزّز الاستقلالية الأوروبية من خلال إنشاء قنوات دفع مستقلة عن الولايات المتحدة، وإنشاء صندوق نقد أوروبي وإنشاء نظام سويفت مستقل". ولا ننسى الموقف الروسي المستند لاتفاق (5+1).
وعليه، إن ألمانيا شريك صناعي رئيسي لإيران، وهناك حوالي 50 شركة ومؤسسة ألمانية تتواجد في إيران، ولديهم فروعهم الخاصة، وهناك أكثر من 12,000 مُمثل لشركات ألمانية في إيران. والعديد من الشركات الألمانية المشهورة مشتركة في المشاريع الإيرانية، وخصوصا في مشاريع البتروكيماويات. في عام 2005 كانت ألمانيا قد حصلت على أكبر حصة من الصادرات الإيرانية؛ أي ما يعادل خمسة مليارات دولار أميركي. وبدأت حصتها في الارتفاع منذ ذلك الحين حتى الآن، ويتوقع أن تزداد تلك القيمة حال تم إقرار التهدئة في الملف (5+1) بوجود الرئيس الأميركي الجديد (جو بايدن).
وحقيقة، إن دول الاتحاد الأوروبي ترى أن مصالحها الحيوية تدفعها للقبول باتفاق (5+1) الموقع بينها وبين إيران، الذي توصلت إليه مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في (مجلس الأمن الدولي + ألمانيا) مع إيران في 14 تموز/يوليو 2015 في مدينة فيينا بالنمسا بعد مفاوضات عسيرة جدا استمرت لوقتٍ طويل، مع التمسك به، ورفض الموقف الأميركي المُعطّل للاتفاق منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. وتسهيل المدفوعات المتعلقة بصادرات إيران بما في ذلك النفط، طالما أن الشركات المعنية تقوم بأعمال مشروعة وفق القانون الدولي، وبموجب قانون الاتحاد الأوروبي. وتشارك الصين وروسيا أيضا في "آلية الأهداف الخاصة"، باعتبارها من الدول الكبرى في اقتصاديات العالم. والولايات المتحدة تحوز على الاقتصاد الأول في العالم، والصين الشعبية تتربع في الموقع الثاني، وتتبوأ روسيا المركز الثالث.
ونُشير في هذا السياق إلى أن أحد أكثر عوامل الضغط على ايران ودول الاتحاد الأوروبي هو إمكانية منع إيران ولجمها عن نظام البنوك الخاص "سويفت" القائم في بروكسل. وقد تم ذلك عندما ممارسة الضغوط على مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، وهي سابقة خطيرة في الاقتصاد العالمي، والتي لم يسبق لها مثيل في حقبة ما بعد عام 1944، أي قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بقليل. وقد أظهر الاتحاد الأوروبي خطابا صاخبا واحتجاجيا ضد الحرب الاقتصادية الأميركية أحادية الجانب وفرض عقوبات ليس ضد إيران فقط بل ضد روسيا أيضا، التي تخوض معركة نفوذ واستحواذ في العالم مع الولايات المتحدة الأميركية، خصوصا في جانبها الاقتصاي والتجاري.
ورغم الأزمات المالية والاقتصادية العالمية، وعلى الدول الكبرى كروسيا والصين وحتى الولايات المتحد الأميركية، فإن التجاذبات السياسية التي تحدث بين اليابان (القوة التي كانت تستعمر الصين) والصين، بشأن الهيمنة على منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا، يرتبط اقتصادهما بالمنظومة الرأسمالية العالمية، ويتأثر كل منهما بالآخر، على مستوى الشركات الكبرى، ومن المتوقع أن تنخفض نسبة نمو الاقتصاد الصيني إلى أدنى مستوى في تسع وعشرين سنة، وتدرس حكومة الصين الشعبية، وفق ــ إعلانها المتكرر ــ إطلاق المزيد من إجراءات تحفيز الاقتصاد وتدعيمه، والمزيد من دَعم القطاع الصناعي في عموم الصين، مع الحرص على تطوير العلاقات بين كل من موسكو وواشنطن.