أفلح بن عبدالله الصقري:
يحل علينا بعد أسابيع قليلة فصل الشتاء بهوائه العليل ونسماته الباردة، والتي سيتغير معها أشياء كثيرة بعد أن ننتهي من شهور قضيناها ونحن على أحر من الجمر في أن ينقلنا الزمن لفصل طالما فرحنا بقدومه؛ وذلك لما فيه من خيرات الأرض وبركات السماء وسيلان الماء في أودية هذه الأرض الطيبة، بينما تعانق الغيوم الجبال وتبرد معه الرمال ويخصب الشمال بفضل الله تعالى، لنرى قبلها نجما يسطع في الأفق لينكسر الحر ونخرج للبر، ونترقب الليل الطويل لنتذكر المقولة الشهيرة "إذا حضر سهيل لا تأمن السيل"، هذا ما سمعناه قديما من آبائنا وقبلها من أجدادنا غفر الله لهم جميعا، ليتجدد العمر وتنتعش الأنفس ويتنفس الجميع الصعداء.
عندما نرى الفرحة بين الصغار قبل الكبار مع نزول الأمطار نتذكر أيام الطفولة لنركض بشقاوة نحو تلك الحواري/ وندخل المزارع بين النخيل الباسقات لنخرج من الناحية الأخرى ونرى كيف ينبت الجدب ويستوطن العشب أرض اليبس، لتتشكل لوحة خضراء برسم إلهي، وتعانق ألوان الطيف أو ما يسمى "قوس قزح" السماء فهي أيضا لوحة ربانية خلقها الله ليتدبرها الإنسان ويتفكر بعظمة الله الذي أتقن كل شيء صنعه.
قد نرى بعض الدول الأخرى عندما نسافر في فصل غير فصل الشتاء كيف أن هذه الدول عكس ما كنا فيه في بلادنا، فهناك تختلف الفصول، وقد يكون الهواء باردا والمطر دائما والجبال التي تكسوها العشب تبقى كذلك طوال الموسم، فنتعجب كيف أن بلادهم بهذا الجمال سبحان الله، فجنة الله في أرضه تحتاج إلى تدبر وتفكر.
دائما ما أن يدخل علينا ويحل الشتاء نستعد للتجهيزات والعدة اللازمة لنذهب في جولات سياحية ونخيم على الجبال أو فوق الرمال الرطبة أو ما تسمى محليا بـ"الكشتة" ونطارد الأمطار والبروق في مختلف المناطق، ونجلس على تلة نترقب بشغف واشتياق قدوم الوادي ونأخذ منه الذكريات بالصور أو الفيديوهات ونطلع عليها الأهل والأصدقاء وننشرها في مواقع التواصل الاجتماعي لنري خيرات بلادنا للآخرين ونشوقهم للخروج، ولكن بحذر ليستمتعوا بالأجواء بعيدا عن متاعب الحياة ومشاق الأعمال اليومية.
فبينما ينهمر ذلك المطر عندما يحل الشتاء وينتهي الوباء وأنا وأنتم على الشرفة نرتشف فنجان القهوة، ونناظر بركات الله علينا، ونسمع صوت الرعود ونرى وميض البروق نرفع معها أكف الضراعة ليبقى المطر، وندعو الله أن يرحمنا ويرحم من رحلوا عنا، وأن يبرد مضجعهم، وينقي ذنوبهم، ويتقبل بالحسنات أعمالهم، وينور قبورهم ويسقيها من الغيث العميم، فهو وحده يحيي العظام وهي رميم.. اللهم برد قبور موتانا وموتى المسلمين، وارحم ضعفهم وقلة حيلتهم، فهم بين يديك وتحت رحمتك واقسم لهم من ماء السماء، وأغثهم كما أغثتنا غيثا مغيثا، وانبت على قبورهم الورود والدر المنثور واجعلها روضة من رياض الجنة يا كريم يا قادر يا مقتدر.