سعود بن علي الحارثي:
عندما تهمش مؤسسة الشورى التي تمثل المواطن، وتعبِّر عن الشراكة المجتمعية في صناعة السياسات والقرارات، والرقابة على الأداء ومحاسبة مسؤولين ومساءلتهم على تقصيرهم وتعرية الفاسدين، وصياغة التشريعات التي تحقق مصالح الوطن والمجتمع، وهي في مقدمة مطالبه في ٢٠١١م، برفع صلاحياتها وتفعيل ممارساتها لتصبح برلمانا قادرا على التمثيل الكامل للمجتمع، والإصرار على تمكينها ارتفع وبات أكثر إلحاحا والحجج أقوى بعد إقرار الضرائب وزيادة الرسوم ورفع الدعم عن الخدمات وتخلي الحكومة عن جملة من مسؤولياتها تجاه المجتمع... عندما تهمل الدراسات الرصينة والمتكاملة التي قدمها مجلس الشورى، بشأن مشكلة الباحثين عن عمل بتوصياتها ومعالجاتها قريبة ومتوسطة وبعيدة الأمد، وما تضمنته تلك الدراسات من إصلاح للتعليم، وضمان إنجاح سياسات التنويع، والتخفيف عن الأعباء المالية التي ترتفع على المواطن، ومعالجة تشوهات سوق العمل... عندما تصبح الوظيفة طموحا صعب المنال أمام الشباب العماني وحقا وطنيا تقف أمامه المعيقات والصعوبات والتحديات والمستحيلات ـ حتى لمن حصلوا على تعليم عالي وتخصصات فنية نادرة ـ وجملة الآليات التي يعلن عنها، والخطط والاستراتيجيات والسياسات والقوانين واللقاءات الإعلامية لم تزد الباحث عن عمل إلا لبسا وغموضا وتعقيدا وتقييدا وغضبا وإحباطا، وتصريحات متناقضة وغير مسؤولة عملت فقط على "صب الزيت على النار"، وليس المعالجة الحقيقية والمنصفة ـ قد نتفق أو نختلف حول مسؤولية الحكومة عن التوظيف من عدمه ـ ولكن عندما تبقى معظم القطاعات الاقتصادية النشطة المولدة للوظائف والتخصصات العلمية وسياسات التعليم مهيمنة على سياساتها وتشريعاتها الحكومة. وعندما يظل هذا القطاع ضعيفا مقيدا مكبلا بزيادة الضرائب والرسوم ورفع الدعم عن الخدمات والبيروقراطية وسوق محدود جدا، وقطاعات وطنية غير مطورة وغير مهتم بها أو مستثمرة ومسيطر عليها وتمتص عوائدها من قبل ثلة من النافذين والمهيمنين والشركات الأجنبية والأجانب، كقطاع السياحة والزراعة والأسماك والتعدين والمحاجر والأراضي والمواقع الاستراتيجية وغيرها فلم تستثمر لصالح الوطن وبما يحقق موارد أخرى، وبدلا من أن توفر وظائف للشباب العمانيين قادت تلك السياسات إلى المزيد من التسريحات، حينها تصبح الحكومة مسؤولة عن معالجة كل تلك الإشكالات والتشوهات والتراكمات بغض النظر عمن تسبب فيها، فالمواطن لا ذنب له ولم يكن ذا علاقة في نشوئها، فالحكومة عليها ومن أهم مسؤولياتها التهيئة والتمهيد والتيسير وإقرار سياسات التحفيز وفتح الأبواب للاستثمار أمام الشباب وتقديم كل الحوافز والتسهيلات والدوافع لقيام اقتصاد قوي موفر للوظائف... عندما يعيش إعلامنا بعيدا عن هموم المواطن، وفي وادٍ آخر عن قضايا المجتمع ومشكلاته، عندما يتغنى بالإنجازات والمكاسب الحكومية ويتجاهل الأحداث والمطالب وحالات الغضب والإحباط المجتمعي، ويمارس الرقابة على أداء مجلس الشورى وعلى نشاطه البرلماني، ويحذف ويغلق النوافذ التي يتنفس منها كل صوت ناقد مخلص أمين محب للوطن، ويقيد حرية التعبير في عصر القرية الكونية ووسائل التواصل والثورة الرقمية، عندما يقرأ ويستمع المواطن عن أحداث وطنه وأخبار ما يجري فيه من قنوات وصحف عابرة للقارات ومن تغريدة أو مقطع فيديو صوره هاوٍ ومن تسريبات تخرج من هنا وهناك... عندما يخفض عدد البعثات بنسب يشكل تراجعا خطيرا في سياسات التعليم العالي، وتقر الضرائب والرسوم ويرفع الدعم عن الخدمات التي تعد من أساسات معيشة المواطن، وترتفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، ويتم تقعيده ـ أي المواطن ـ وهو مكبل بالديون التي لجأ إليها اضطرارا لتوفير المتطلبات الأساسية لأسرته، فتقود هذه الضرائب والتعقيدات والسياسات كذلك إلى المزيد من إفلاس الشركات وتحجيم مبيعاتها ونشاطها وإلى المزيد من التسريحات... عندما لا نستفيد من الدروس ولا نوظفها التوظيف الجيد لتحسين معيشة المواطن وتحفيز الاقتصاد وتطوير قطاعاته وأنشطته وتعزيز دوره وجعله اقتصادا قويا نشطا منافسا قادرا على النمو والتطور والتوسع والتصنيع واستثمار ثروات الوطن لصالح الوطن وتوفير الوظائف... عندما نتجاهل غضب الشباب في وسائل التواصل وما يحدث من شحن وتعبير محبط، ولا نعير اهتماما لردات الفعل على القرارات والسياسات والقوانين التي تصدر تباعا وتصريحات المسؤولين المستفزة التي تبعث برسائل متناقضة وملتبسة وتصور الأمر وكأنهم يقولون للمواطن "تحمل التبعات" فمن جيبك سوف يتم الاعتماد على تمويل عجز الميزانية، وتسديد الدين العام... عندما نطلق على من يطالب بحقه في عمل، ويرفع صوته لاستعادة وظيفته ودخله، أو يعبر عن مشاكله وهمومه المالية بالطرق السلمية الراقية والأسلوب الحضاري الذي كفله وحماه القانون، أو يطالب بتجفيف منابع الفساد ومحاسبة من تجاوز القانون وتطاول على المال العام، بأنه "يسيء إلى وطنه أو مشاغب أو يسعى إلى إثارة الفوضى أو عميل أو نجرده من وطنيته..." متغافلين ومتناسين بأن هذا المواطن وجد نفسه أمام إعلام تجاهله، ومسؤول أغلق أبواب مكتبه في وجهه، وممثل في مجلس الشورى جرد من صلاحياته... فإلى من سيلجأ بعد أن أغلقت السبلة العمانية وفقدت مكانتها وتوارى الشيخ عن الأنظار أو انتهى دوره القيادي الذي كان عليه في السابق؟ ففي السبلة وبحضور الشيخ الحكيم والمتنفذ والمسؤول والمتمكن من معالجة مشكلات الناس، وشخصيات من المجتمع، وجد الشباب في السابق المتنفس للتعبير والعلاج والراحة، وفي عصر الدولة المدنية الحديثة يجب أن يقوم بهذا الدور البرلمان وأعضاء الشورى والإعلام ومؤسسات بحثية تعنى بمتابعة وتحليل وقراءة وتشخيص المشهد، والتمثيل والتعبير عن كل مواطن ارتفعت فاتورته الشهرية بشكل كبير وسرح عن عمله وانقطع دخله وأفلس مشروعه وأصبح بلا عمل، وقعد والديون تحاصره، وتضرر من السياسات والقرارات والقوانين التي صدرت، ويجب على الحكومة أن تفتح كل النوافذ مشرعة أمام المجتمع للتعبير عن آرائه وملاحظاته وأفكاره وهمومه ومشاكله وإحباطاته والعمل سريعا على رصدها ومعالجتها بحلول دائمة وليست آنية ومسكنة. لقد طالبت في كتابات سابقة منشورة بـ"الحرص على عدم المس بحياة المواطن المعيشية أو الاقتراب من مصادر رزقه، وأوضحت مخاطر ذلك على الحياة الاجتماعية وعلى استقرار وأمن الوطن والوفاء بالالتزامات والمسئوليات الحكومية والتي ستتعرض للاهتزاز والضعف، والتعامل مع الأزمة الاقتصادية الناشئة من رحم الانخفاض الكبير والمتواصل لأسعار النفط" ومن إخفاقات وتعديات سابقة على المال العام والتطاول على القوانين ينبغي أن يأخذ مسارات متعددة وحلولا تتسم بالشمولية وسياسات حازمة تأتي أكلها على المدى القريب، ونحتاج كذلك وبصفة عاجلة إلى بث رسائل الطمأنينة والاستقرار إلى المجتمع والتعامل معه بشفافية ووضوح. كما أن الوطنية الصادقة والولاء الحقيقي لهذا الوطن وسلطانه تفرض على رجال الأعمال والأغنياء العمانيين القيام بمسؤولياتهم في توجيه جزء من أموالهم إلى السوق الداخلي واستثمارها في مشاريع حيوية تؤدي إلى تنشيط سوق العمل وتعزيز عوائد القطاعات الواعدة وتوفير فرص عمل للباحثين عنه بدلا من استثمارها في الخارج أو ادخارها وتوفيرها وتنميتها في البنوك، وأن يحولوا الشعارات الناطقة إلى عمل حقيقي ملموس، ويجب على الجهات المختصة تحفيز وتشجيع هذه الخطوات وتقديم كل التسهيلات للمستثمر العماني وربط أعماله ومشاريعه بالسوق الداخلي، وتعزيز وتعميق الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص بالتعاون والتنسيق والتشاور وتبادل الرؤى قبل إقرار السياسات التي تعنى بالقطاع الخاص وتؤثر عليه وتنعكس سلبا على أدائه. كما أن الوطن أيضا في حاجة إلى من يزجي النصح بصراحة وجرأة وأمانة، إلى من يقول الحقيقة ويقدم الأفكار والحلول الواقعية الرصينة لمشاكل مستعصية، إلى المشاركة الفاعلة وبناء وتعزيز الثقة والإصغاء إلى صوت المواطن والتحاور بحكمة وعقلانية... فالثقة ـ التمثيل ـ الشراكة... هذا ما يحتاجه الشباب في هذه المرحلة الحرجة لكسر حالة الإحباط والغضب وتحقيق الحد المقبول والممكن من الطموحات وتطلعات المستقبل، فما يحدث في وسائل التواصل من شحن وإحباط وتشاؤم وشحنات غضب ستكون انعكاساته خطيرة على المستقبل إذا أخفقنا اليوم في معالجة أسبابه ودوافعه.