مسقط ـ العمانية: تتجسد سيرة أهل عُمان في الحضور الفكري الثقافي والإنساني على وجه الخصوص، فمنذ أمد بعيد كان لهذا الحضور وقع تاريخي مغاير، استمدت منه الأجيال ما يجسر تواصلها مع الآخر من الفقهاء والنجباء وأرباب الكلم.
وكان لمركز سناو الثقافي الأهلي نهج عملي في الاحتفاء بعلماء عُمان الذين كان لهم السبق في التأثر والتأثير في شأن الفكر بشتى صنوفه، فقد أصدر أخيرًا مجلدين، هما نتاج أعمال الندوة الدولية (أعلام من حاضرة سناو)، التي أقيمت في أواخر عام 2019م، واتجهت لتبرز دور العلماء والمشايخ في نيابة سناو بولاية المضيبي بمحافظة شمال الشرقية، وهم: الشيخ سعيد بن حمد الراشدي، والشيخ سالم بن حمد البراشدي والشيخ ناصر بن راشد المحروقي.
وقد ضمّ المجلد الأول بحوثًا تأريخية حول حاضرة سناو جغرافيًا وتاريخيًا وعلميًا، وأخرى حول الشيخ سعيد بن حمد الراشدي وإنتاجه الفكري، وعلاقته بالإمام نور الدين السالمي، والبعد السياسي في مؤلفاته ونهجه في عرض المسائل الاعتقادية والرد عليها من خلال منظوماته.
أما المجلد الثاني فقد ضم بحوثا حول الشيخ سالم بن حمد البراشدي وأعماله في مجالي التربية والقضاء وعلاقته بالإمامين الخروصي والخليلي، مع إبراز الملامح التربوية لحياته، وضم المجلد الثاني أيضًا بحوثا حول الشيخ ناصر بن راشد المحروقي وأعماله في مجالي التعليم والإصلاح الاجتماعي، والاهتمامات الفقهية لديه ودراسة أخرى تمحص مراسلاته العلمية.
عرف العلامة الشيخ سعيد بن حمد الراشدي بالنبوغ في مرحلة مبكرة من عمره، وقد كان ملازما للإمام نور الدين السالمي ورفيقا له، ولكن قضاء الله عاجله فتوفي في سن مبكرة، وخلف آثارا علمية قيمة، فرثاه الإمام السالمي، وأشاد بإنتاجه العلمي، وكان له منزلة عنده لمكانته العلمية.
أما فضيلة الشيخ العلامة القاضي سالم بن حمد البراشدي، وهو من طلبة الإمام السالمي، كان قاضيا للإمام سالم بن راشد الخروصي ثم للإمام الخليلي، ونذر حياته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قائمًا بالواجب، يقضي بين الناس بالحق، ويسير بينهم سيرة الراشدين ويأمرهم بالبر والتقوى والصلاح والاستقامة، ويذكّرهم بالله واليوم الآخر، حتى لقي ربه على هذه السيرة، وقد أثنى عليه علماء عصره، وفي مقدمتهم الإمام محمد بن عبدالله الخليلي.
فيما تتلمذ الشيخ ناصر بن راشد المحروقي، على الإمام محمد بن عبد الله الخليلي، الذي تتبع سيرته وسار على خطاه، ودرج على هذه السيرة طوال عهده، داعيا إلى الخير، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر.
هؤلاء الأعلام السناويون الثلاثة المحتفى بهم هم أشهر من حفظ التاريخ مآثرهم حسب ما أوردت البحوث العلمية المتعلقة بهم، فكان لهم دور بارز في التأسيس لنهضة علمية استمر تأثيرها إلى العصر الحاضر، وما زالت دور العلم المتمثلة في الجوامع والمساجد شواهد تحكي قصة رحلة علمية ممتدة ومتواصلة عبر الأجيال المتعاقبة، خلفت وراءها إنتاجًا علميًا وتراثًا حضاريًا.
وتعتبر سناو إحدى الحواضر العريقة في عُمان إلى عهد قريب، فقد ذكرت المصادر أنها ولاية منذ عهد الإمام المهنا بن جيفر، وتتميز بموقع جغرافي يربط شمال عُمان بجنوبها، وهي مجمع لأبرز نمطين من العيش عرفتهما البشرية: الحاضرة والبادية، وفي ظل الجغرافيا والتاريخ تشكلت حاضرة هذه المدينة، وهاجرت إليها قبائل، وتركتها أخرى، في حركة دؤوبة فرضتها الظروف السياسية والاجتماعية التي عاشتها عُمان.
وفي العصر الحديث نشطت الحركة العلمية في مدينة سناو، فظهرت المدارس، وبرز العلماء، وازدهرت الحركة الثقافية.
ينطق أهل البلد اسمها بتسكين الأول وفتح الثاني، وتسكين الواو (سناو).وأصلها من مادة (سنو)، وهي العلو والارتفاع والنور، وفي الآثار القديمة تذكر باسم (سنا)، وربما حرف الاسم على مر الزمان فصارت على ما تنطق به الآن، ويرى الشيخ سعيد بن حمد الحارثي في كتابه (إزاحة الأغيان عن لغة أهل عُمان)، أن السنو هو المدخل، وهذه البلد مدخل إلى (البلدان الحدرية)،وهي البلدان التي تقع في محافظة الوسطى الآن.
وهذا التحليل له نصيب كبير من الصواب، ولا يتعارض مع التفسير اللغوي الأول وهو العلو والارتفاع والنور.
وتحريكها بفتح السين أنسب، لأن لفظة سنا مفتوحة الأول، وقد جرى البعض الآن على كسر الأول ولا وجه لذلك.