■ الرواية بلا خيال لا تصلح والكاتب لا يستطيع أن ينفصل عن المكان والزمان
■ الواقعية هي السمة البارزة فـي جميع أعمالي الروائية

حاوره ـ وحيد تاجا:
الدكتور نزار أباظة ـ أديب موسوعي، باحث ومحقق وروائي وأستاذ جامعي، صدر له ما يزيد عن 70 كتابًا ما بين تحقيق ودراسة وسيرة وتراث وروايات وقصص للأطفال، وحاصل على عدة جوائز محلية وعربية. (الوطن) حاورته وناقشته حول مؤلفاته ورواياته.

يلاحظ ميلك للرواية مع انها لا تشكل أكثر من 20% من انتاجك الإبداعي؟
ـ هذا صحيح، أزعم أنني حينما أكتب في الرواية أو القصة أجد نفسي تمامًا، أعبر عنها وأسرح معها في تناول أحداث أثرت فيَّ وأثارت مشاعري .. أنساق وأنا اكتب الرواية مع أبطالها وشخصياتها وانفعالاتهم .. أعيش معهم .. أتخيل أنني أجلس بينهم .. أراهم .. وربما أشاركهم أو أكاد، فيما يفكرون .. وربما لا تصدق إذ أقول لك إن الشخصيات هي التي تملي على ما اكتب ولست أنا، صحيح أنني البادئ ولكن دافعًا خفيًا يدفع الحدث أمامي ليسير باتجاه معين، اليوم إذا عدت وقرأت إحدى رواياتي أجد نفسي كأنني أقرأ لغيري لا لي، وأتساءل: أأنا الذي كتب هذا النص فعلًا أو ذاك؟!، وبالخلاصة فأنا أجد لذة وأنا أكتب الرواية لا أستطيع أن أعبر عنها بوضوح غير الكتابات الأخرى التي يمكن أن أقول إنها كتابات باردة.

تطرقت في روايتك (سمية) الى موضوع مهم جدًّا، وهو العلاقة بين الشيخة والمريدة، ولكنك ركزت كثيرًا على الجوانب الإيجابية؟.
ـ لا أخفيك أن رواية (سمية) من أحب الروايات إليّ، فقد فرغت فيها شحنة من نفسي كانت تشغلني تتصل بالعلاقة العاطفية بين المريد والشيخ، أنا أعرف جيدًا تلك العاطفة وعشت تفاصيلها الدقيقة، حيث أني قرأت على المشايخ، وأردت هنا أن أتحدث عن العاطفة النسائية بين المريدة والشيخة بشكل خاص، إذ كان يتناهى إليّ أخبار مختلفة عن تلك العلاقة سلبية وإيجابية، تلك العاطفة التي قد تكون جارفة أحيانًا، فالفتيات معروفات بعواطفهن، وبعضهن تعاملت مع الشيخة تعامل قداسة هي فوق العلم .. في الوقت الذي يجب ان تكون قائمة على العلم فقط، هذه هي الصلة الحقيقية بين الشيخ ومريده، أما أن يسلبك الشيخ إرادتك وتفكيرك فتدور في فلكه وهذا مرفوض. وبعكس ما تتهمني به، فقد تقصدت في رواية (سمية) أن اكشف، مع الجانب الإيجابي، جانبًا سلبيًا فصورت موقف انصراف التلميذة عن زوجها وأسرتها وإهمالها إياها بسبب الشيخة وانعكاس هذا على الأسرة، وأبرزت الموقف السلبي للشيخة في هذه الناحية، والامر الآخر في نهاية الرواية تركت الشخصية الثانية فيها لا تنجرف الى الانخراط مع التلميذات في حلقة الشيخة بل تركتها في موضع الخيار والتفكير .. وهذه نقطة مهمة جدًّا.

رواية (حبيبتي من ورق) تبدو أقرب الى القصة الحقيقية والسيرة الذاتية؟
هذا صحيح، فقد عشت أحداث هذه الرواية تمامًا، وجرت أحداثها وتفاصيلها تحت سمعي وبصري، وعانيت من الأطفال الذين هم أبطالها الحقيقيون بمشاغباتهم في الحارة مع الجيران ومشاكلهم المختلفة التي كانوا يبتكرونها، كبر هؤلاء في عيني ثم وقع أحدهم في مشكلة حب مع بنت الجيران تعب كثيرًا فيها ولقي الأمّرين، في بيئة صعبة لا تساعد على الحب .. ثم انتهت حكاياتهما ومعاناتهما بعد أن تطوع في الجيش وكان في الطيران الحربي الذي نقله من حب بنت الجيران الى حب الوطن، عرض نفسه للمخاطر في سبيله وكبر على الحب ورأى أن حبيبته تلقاء وطنه تشبه الدمية من القماش والورق.

من يقرأ رواياتك يشعر أحيانًا بأنك (خائف) نوعًا ما من الاسترسال في الغوص في مشاعر أبطال الرواية؟
هذا صحيح، وربما يكون هذا عيبًا في رواياتي، أقدم أولًا بجرأة، ثم أحجم بعض الاحجام وخاصة في المواقف الحساسة في العلاقة بين الذكر والأنثى، وفي صلات الحب الدقيقة، ولا اريد الاسترسال في الاثارة، إذ أخاف ان يؤدي ذلك إلى إثارة الشباب، واكتفي من السباحة بالبقاء على الساحل لئلا أدخل في لجة البحر .. فأنا محسوب على الأدب الإسلامي الجديد. وأذكر أن رواية (سمية) وقصة (السمكة الذهبية) أثارتا ضجة كبيرة بين القراء حتى أن البعض رماني بالإسفاف في تصوير الجمال.

بالتالي كيف يمكن للكاتب أن يكون حياديًا مع أبطال رواياته؟
ـ الحيادية أمرٌ نسبي جدًّا فيما أرى .. الحيادية قضية لا يتحلى بها إلا القليل من الكتاب .. وخصوصًا في كتابة التاريخ. كيف أكون حياديًا وانا أقدم شخصيات ذات مشكلة، والرواية عادة لا تقوم إلا على مشكلة. هناك روايات تصور شخصية ما، شخصية (البخيل) كما عند (موليير)، وشخصية (الشكاك) كما في (عطيل) عند شكسبير، وشخصية (الشيطان) كما في (فاوست) عند غوته. فكيف يكون الكاتب الذي يصور هؤلاء حياديًا إنه اختارهم ليقدم من ورائهم وجهة نظر خاصة.

الواقعية هي السمة البارزة في جميع أعمالك الروائية. وقد تصل حد التقريرية المباشرة أحيانًا .. أليس للخيال دور في السرد أيضًا؟.
ـ هذا صحيح لأنني أتأثر كثيرًا مما حولي من الأمكنة والحوادث اليومية، أنا أنظر الى الواقع على أنه مجموع روايات تحتاج الى الكتابة، انفعل لحادثة حقيقية تجري .. أو مجموعة حوادث مختلفة فألملم منها ما يصلح للكتابة.. فالكاتب لا يستطيع ان ينفصل عن المكان والزمان وما يجري فيهما، أما ما تذكره عن التقريرية في الرواية أحيانًا فقد يكون عيبًا بمقياس النقد الادبي، ربما لم أستطع الانفصال عن تلك الخلة.

هذا والخيال ضروري جدًّا والرواية بلا خيال لا تصلح .. أنت تشير الى رواية غرباء في سلة واحدة وما فيها من ذكر لحوادث مرت بها دمشق .. وغيرها من المدن السورية.. ولكن هذه الإشارات لا تمثل إلا جزءًا يسيرًا من الرواية لكن كل ما حدث في الرواية هو محض خيال، فلا أنا عرفت البطل فيها بل اخترعته واخترعت قريته ولا عرفت الشخصيات الأخرى ولا جالستها .. تخيلت ذلك كله حتى توهم القارئ انني اتحدث عن اشخاص حقيقيين.
كانت روايتك (العيون السود) رواية المكان بامتياز، ويسجل لك هذه الدقة ومعرفة تضاريس غزة وحاراتها في هذه الرواية؟
ـ كان لابد من القراءة المكثفة عن جغرافيا غزة وحاراتها وأزقتها وشوارعها قبل كتابة الرواية، وقد ساعدتني كثيرًا المنشورات التي أصدرتها المقاومة الفلسطينية ابّان انتفاضة الأقصى الثانية .. وذكر هذه المواقع والحارات هي التي سكبت على الرواية حيوية ساعدت أن تكون قريبة من القراء .. وهذا ضروري في روايات المتعلقة بأحداث الأماكن.

لماذا تركت بطلة الرواية (الحبيبة) تقتل في النهاية ولا يكتب لها الزواج؟
ـ في رواية (العيون السود) عشنا مع البطلة التي تمثل فتيات فلسطين المقاومة .. التي قتلت غيلة ككثير من المناضلات الفلسطينيات اللاتي قدمن دماءهن .. وأرى انني فعلت ذلك كي أبين فداحة المأساة التي يعيشها الفلسطينيون .. العدو يقتل أحلى ما عند الفلسطينيين وأعز ما لديهم .. ظننت ان لو كانت النهاية زواج البطلة فستكون نهاية باردة لا تعبر عن فداحة الظلم وجرائم الاحتلال .. وألفت الى انني لم أفكر بالأمر عند كتابة الرواية فقد كنت انساق مع الحدث وتركت البطلة تموت لأنها النهاية الطبيعية هنا.