على الرغم من المعطيات الكثيرة والدالة على حقيقة الدور الأميركي من الإرهاب الذي يضرب المنطقة عامة وسوريا والعراق خاصة، فإن الشكوك لا تزال تتوالى في كل محفل ومنبر بالنظر إلى التناقض التام بين ما يطرحه المسؤولون الأميركيون من تصريحات ومواقف حول محاربة الإرهاب آخرها ما سمي باستراتيجية الرئيس أوباما، وبين التحولات الحادثة على الأرض باستشراء الإرهاب وتمدده في ربوع المنطقة والدول المستهدفة تحت مظلة التحالف الذي سارعت الولايات المتحدة إلى تشكيله، والظهور الأخير اللافت للأسلحة الأميركية بيد العصابات الإرهابية وفي مقدمتها "داعش وجبهة النصرة".
ومما لا شك فيه أن هذا التناقض في حد ذاته دليل دامغ على ما سرب وما نشر من تقارير ومعلومات استخباراتية ومنها تصريحات عميل "السي آي إيه" إدوارد سنودن بأن داعش هو من صنيعة الاستخبارات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية لجذب المتطرفين في العالم، وبالتالي لا يعقل أن يدمر وأن يتخلص الصانع من صنيعته دون أن يحقق ما صنعه من أجله من أهداف وأجندة. وكيف يعقل أن يحارب الصانع إرهابًا صنعه في جزء من أرض سوريا والعراق في الوقت الذي يدعم فيه هذا الإرهاب في أجزاء كثيرة من القطرين ويدعم أكثر من تنظيم إرهابي؟
وبالنظر إلى ذلك يجد المتابع الفاحص المتبصر أن الولايات المتحدة ومن ورائها حلفاؤها الاستراتيجيون ماضون في حصد الكثير مما عملوا على صنعه من تنظيمات إرهابية، سواء بجني أرباح تمويل الحملة أو الاستراتيجية الإعلامية على "داعش"، أو بدوران غير مسبوق لتروس مصانع شركات السلاح الأميركية والأوروبية التي ارتفعت أسهمها إلى مستويات قياسية في البورصات العالمية منذ تفجير المؤامرة ضد سوريا وتصعيد مشهد "داعش" إلى واجهة الأحداث في العراق وسوريا، وتظهير شعارات ما يسمى "المعارضة المعتدلة" ودعمها بالمال والسلاح والتدريب. هذا على المستوى الاقتصادي والعسكري، أما على المستوى السياسي فإن تدمير دول المنطقة وإعادة رسمها من جديد ترتسم معالمهما على الأرض كما ارتسمت في عقل المخطط الصهيو ـ أميركي. فملامح التفتيت والتقسيم والرسم المراد بدت واضحة، سواء من حيث تصريحات المسؤولين الغربيين والأميركيين وفي مقدمتهم نائب الرئيس الأميركي جو بايدن والسيناتور الجمهوري المتطرف جون ماكين، أو من حيث المسار الإرهابي للعصابات الإرهابية المدعومة وطبيعة تحركاتها والأهداف المطلوب منها تدميرها. وأما على المستوى الاجتماعي فالمطلوب ضرب الاستقرار المجتمعي وتمزيق عراه وأواصره وتكريس مشاعر الكراهية والبغضاء والأحقاد والفتن والتطاحن والاقتتال الطائفي والمذهبي والعرقي، حتى لا تقوم لمجتمعات المنطقة أي قائمة، ويسهل على كيان الاحتلال الإسرائيلي إدارة المنطقة من خلال رعاية وإدارة هذا الصراع دعمًا وتأجيجًا وتحريضًا.
وإزاء هذا الحصاد الوفير، يتطلع الأميركي وحلفاؤه إلى جني المزيد منه وذلك بتعميم هذه الصنعة في أرجاء المعمورة في ضوء الانحسار اللافت لتنظيم القاعدة والتحرك باتجاهات مختلفة ومنها أفغانستان التي يرى المخطط الأميركي أنها يجب أن لا تكون خاوية من أي تنظيمات إرهابية بما يعطي حرية الحركة والتمدد لكل من يعتبرهم الأميركي أعداء له كالجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا الاتحادية والصين، والجمهوريات السوفيتية السابقة المتحالفة مع روسيا الاتحادية، ولذلك لا بد من تثبيت قواعد الإرهاب في أفغانستان لتكون مصدر تهديد وهجمات لـ"خصوم" الأميركي.
هذا التحرك التقط خيطه سريعًا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سارع إلى إيقاظ حلفائه إليه في قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي داعيًا إلى اتخاذ الخطوات الاستباقية لقطع الطريق على الأميركي المتربص بهم وتمكينه من زرع بدائل القاعدة "داعش والنصرة" وغيرهما في أفغانستان لتتوليا خدمة الأميركي وحلفائه كما تتوليان الآن في سوريا والعراق ولبنان وليبيا وغيرها.
إذن، هذا هو الأميركي يمتلك تاريخًا طويلًا وعريضًا في صناعة الإرهاب ورعايته ودعمه وتوجيهه لتنفيذ أجنداته ومشاريعه نحو فرض الهيمنة والتوسع تحت الشعار الإعلامي الفضفاض "محاربة الإرهاب".