كان حكم الأئمة اليعاربة منعطفاً هاماً، ليس فقط في تاريخ السيادة في المحيط الهندي وإنما في الخليج العربي، إذ أصبح لها جيشها الكبير وأسطولها البحري القوي، وشملت حكمها وأطرافاً مترامية في آسيا وأفريقيا، وضمت قسماً من سواحل الهند وسواحل ايران والجزيرة العربية وشرق أفريقيا، في الوقت الذي كانت فيه البلاد العربية تفقد قوتها، وتقع تحت سيطرة العثمانيين، ومن قبلهم الممالك وغيرهم.
وقد نشر اليعاربة الأمن والسلام في ربوع المنطقة، وكانت أساطيلهم مصدر الرعب للقوى الاستعمارية الاوروبية، فكانت بأعلامها الحمراء يتوسطها الخنجر دلالة على انتصارهم على البرتغاليين، تجوب البحار وتنقل البخور والافاويه، وبصورة خاصة القرنفل من زنجبار إلى أوروبا وبالعكس، فالاستقرار الذي نعمت به المنطقة أدى إلى زيادة الإنتاج وكثرة السكان ووفرة المحاصيل، فكانت الأموال تنهال عليها من كل حدب وصوب، وكانت عامل استقرار في المنطقة، حيث حالت دون ووقع أي جزء من الاراضي العربية تحت الاحتلال الهولندي أو البريطاني أو الفرنسي، والذين كانوا يخشون من الأسطول اليعربي الذي كان يلاحق البرتغاليين في البحار العالية، ومن المؤسف أن العثمانيين والايرانيين كانوا يحاولون القضاء على هذه القوة العربية عوضاً عن التعاون معها ضد الاستعمار الأوروبي، وكان اليعاربة من دفع ضريبة الدم دفاعاً عن العروبة والإسلام، وناضل ضد الاحتلال الأجنبي الأوروبي، وتعتبر دولة اليعاربة والعهود الأولى من دولة الآلبوسعيد من أزهى عصور عمان.
وتجمع كثير من المصادر، على أنه في ظل العلاقات الودية التي وجدت بين اليعاربة من ناحية، وبين الإنجليز والهولنديين من ناحية أخرى، اشتد الصراع العماني البرتغالي في الخليج العربي، بل وانتقل مسرح الصراع إلى المحيط الهندي في سواحل الهند وسواحل شرق إفريقيا، ففي عام 1694م نشط الإمام سيف بن سلطان في محاربة البرتغاليين في الهند، حيث هاجم قاعدتهم في باسن، كما هاجمت مجموعات بحرية عمانية أخرى ساحل كجرات وميناء بومباي، وكانت أكبر العمليات العسكرية معركة جزيرة سالست، حيث نزلت القوات العمانية، واشتبكت في صراع عنيف مع الحامية البرتغالية الموجودة فيها.
أما في سواحل شرق إفريقيا، فقد كان أكبر انتصار أحرزه العمانيون هو نجاحهم في إسقاط قلعة المسيح في ممباسا عام 1698، وتبع ذلك سيطرتهم على بمبا وكلوة وزنجبار، حتى تم لهم طرد البرتغاليين من جميع قواعدهم الواقعة شمإلى موزمبيق، وأصبحت هذه المناطق من التوابع العمانية.
ولا شك أن هذا التقدم الكبير في القوة العمانية، دفع البرتغاليين إلى تعليل سبب نجاح اليعاربة في صراعهم معهم إلى تلقيهم إمدادات وأسلحة من الإنجليز في الهند، بل ومضى البرتغاليون إلى أبعد من ذلك في ادعائهم، أن السفن العمانية كانت ترفع العلم الإنجليزي ويقودها ضباط إنجليز.
وفي العدد الماضي ذكرنا بأن بوكسر وهو أحد الباحثين الثقاة في الصراع البرتغالي العماني في المحيط الهندي، ذكر بأنه بالرغم من التعاطف الإنجليزي مع العمانيين ضد البرتغاليين، إلا أن الإنجليز كانوا قلقين من تصاعد القوة العمانية، ويفهم ذلك من المعاهدة التي وقعت بين انجلترا والبرتغال في عام 1661م، وهي المعاهدة التي توجت بزواج الملك شارل الثاني من كاترين أوف برجنزا، حيث نصت إحدى موادها على أن يقدم الإنجليز مسقط إلى البرتغال، إذا ما قدر لهم في أي وقت للسيطرة عليها.
ويمكن أن نضيف إلى ما ذكره بوكسر، أن العلاقات أخذت تسوء بين اليعاربة والإنجليز، إذ كان اليعاربة يهاجمون السفن الإنجليزية، ويجبرون بحارتها على مشاركتهم في بعض عملياتهم العسكرية ضد البرتغاليين، أي أنه لم يكن هناك تحالف بين الفريقين، بل على العكس من ذلك، نجد في تقارير الوكالة التابعة لشركة الهند الشرقية الإنجليزية في بندر عباس، أن الأسطول العماني يعوق تجارة الشركة في الخليج، كما كتب حاكم مدراس إلى رئاسة الشركة أن العمانيين يعوقون التجارة في ساحل كروماندل.
وعلى الرغم من أن التفوق البحري لليعاربة كان كافياً لكي يحرك الإنجليز للتصدي لذلك النفوذ الذي بلغته عمان، إلا أن الإنجليز لم يقدموا على ذلك، ولعل انشغال الإنجليز في تثبيت نفوذهم في الهند، وتورطهم في حرب الوراثة الاسبانية، هو الذي منعهم من الإقدام على ذلك، كما أن القوة البحرية الكبيرة التي بلغتها عمان في نهاية القرن السابع عشر، جعلت مجرد تفكير الإنجليز في التصدي لها بمثابة مجازفة لم تكن شركة الهند الشرقية الإنجليزية مستعدة لتحملها.
أما فيما يتعلق بوضع الصراع بين هولندا وانجلترا في منطقة الخليج زمن اليعاربة، فإن الهولنديين لم يتوقفوا في تتبع النفوذ الإنجليزي في كل مكان يتنقلون إليه، أنهم أرسلوا أسطولاً من ثماني سفن كبيرة الحجم نجحوا بواسطته في تحطيم الوكالة الإنجليزية التي كانت قد انتقلت إلى البصرة، وبدأ واضحاً أنه أصبحوا قادرين على انتزاع مزيد من الامتيازات من الحكومة الفارسية التي أصبحت تخشى من بأسهم. ولا شك أن طرد البرتغاليين من مسقط على أيدي اليعاربة في عام 1649م، كان من أبرز العوامل التي زادت من ميل الكفة لصالح الهولنديين في منطقة الخليج.
ولعل تفوق النفوذ التجاري لهولندا، كان مما دفع الإنجليز لإصدار قانون الملاحة والتجارة في عام 1651م، وكان هذا القانون يهدف أساساً إلى القضاء على تجارة هولندا البحرية، وفي العام التالي 1652م أعلن كرومويل الحزب ضد هولندا. ومع ذلك فعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذتها إنجلترا، إلا أنها لم تؤدي إلى إضعاف النفوذ الهولندي.
وهكذا أصبح الهولنديون متفوقين منذ النصف الثاني من القرن السابع عشر تفوقاً تاماً على المستوى العسكري والتجاري، وبدأوا يعملون على تقوية نفوذهم في الخليج، ونجح الهولنديون في توطيد مركزهم في كل من البصرة وبندر عباس، وفشل الإنجليز رغم محاولتهم التحالف مع اليعاربة في عمان في إقصاء الهولنديين عن تلك الأماكن التي أصبحت تحت نفوذهم.

محمد بن حمد الشعيلي
أكاديمي في الجامعة العربية المفتوحة
[email protected]