خميس بن حبيب التوبي:
الحقيقة التي قد لا يخالفني فيها أحد ممَّن لديهم حبُّ السِّياحة والاستكشاف والاستطلاع في ربوع بلادنا الحبيبة هي أنَّ الجوامع والمساجد لا تزال تلعب دورًا كبيرًا في تنشيط حركة السِّياحة داخل البلاد، والتي لولاها لَمَا كان هناك نشاط سياحي في مختلف جهات السلطنة الأربع. ومَرجِعُ هذه الحقيقة هي أنَّ نقْصَ الخدمات وغياب المشروعات والاستثمارات والتخطيط السليم لاستغلال الثروة السِّياحية، التي حبا الله بها بلادنا، حاضِرٌ في كُلِّ موقع سياحي بكُلِّ محافظة من محافظات السلطنة.
قد لا تُعْجِب هذه الحقيقة القائمين على القطاع السِّياحي والمَعنيِّين به، إلَّا أنَّ حديث الصَّراحة والمكاشفة والشَّفافية لا بُدَّ منه للوصول إلى معالجة حقيقيَّة تتضافر فيها الجهود، وتلتقي معها الرُّؤى والأفكار والاهتمامات المُرتكِزة على الغيرة والغبطة بأنْ تكون السلطنة في مصافِّ الدول السِّياحية وقِبلة سياحيَّة، بل من أولى الوجهات لكُلِّ راغب في السِّياحة والتَّرفيه والتَّنزه، بدءًا من أبنائها. وهذا الحديث ليس قراءة في فنجان أو قراءة طالع القطاع السِّياحي، وإنَّما انطلاقًا من الواقع الذي يفصح كُلُّ تفصيلٍ من تفاصيل المواقع السِّياحية بحقيقة تُثير في الأنفس الوجع والمرارة من عدم استغلال مرافق ومقوِّمات سياحيَّة وتراثيَّة وطبيعيَّة عديدة يمكن لها أنْ تُسهم بصورة مباشرة وكبيرة في صناعة سياحيَّة رائعة ومميَّزة، وتُسهم في النَّاتج المحلِّي.
أنطلق في هذا الحديث ـ وفي الفَمِ ماء كثير ـ من غيرتي على وطني، بأنْ لا يكون في ذيل قائمة الدول السِّياحية رغم ما يتميَّز به من مقوِّمات سياحيَّة وإمكانات هائلة جدًّا تفوق بأضعاف دُوَلًا لا تملك نِصْفَ ما تملكه بلادنا. فما تملكه السلطنة من مقوِّمات سياحيَّة يمثِّل ثروة كبيرة قادرة على صنع الفارق، سواء من خلال إقامة المشروعات وترجمة الأفكار وتحويل المادة السِّياحية الخام إلى صُوَرٍ متعدِّدة ومتنوِّعة، أو من خلال ما تُوفِّره من فُرص عمل كبيرة. ذلك أنَّ التنوُّع في المُفردات السِّياحية والطبيعيَّة والتراثيَّة والتنوُّع السِّياحي، الذي يتيح خيارات كثيرة أمام كُلِّ سائح وزائر، بحاجة إلى عمل مُخلِص وتفانٍ وتخطيط سليم.
إنَّ وضع دورات مياه مُتنقِّلة هنا وأخرى هناك ليس تطويرًا للسِّياحة وكفى، ولا مُواكَبةً لموسم سياحي مُعيَّن، وتعيين عامل أو عاملة لتنظيف هذا المرفق أو ذاك ليس تطويرًا، بالنَّظر إلى الأعداد الهائلة المُتراصَّة في صفوف ينتظر كُلُّ فردٍ فيها دوره مع ما يأخذ الكثير منهم الحياء، ولا يأخذ راحته. لقد هالني التَّزاحم على دورات مياه عبارة عن "كرفانة" مُتنقِّلة في محافظة ظفار، والتي لولا الجوامع والمساجد لظلَّ كُلُّ فردٍ ينتظر بالسَّاعات حتى يأتي دوره أمام دورات المياه المُتنقِّلة. كما هالني أنْ لا جديد ولا إضافة سياحيَّة شهدتها المحافظة بعد توقُّف السِّياحة سنتَيْنِ تقريبًا جرَّاء الظروف الاستثنائيَّة التي خلَّفتها جائحة كورونا "كوفيد19"، في حين يُفترض أنْ تحظى محافظة ظفار وغيرها من المحافظات بتطوير سياحي يتناسب وقيمة المقوِّمات والمُفردات والتنوُّع التي تتمتَّع بها. فمحافظة ظفار ـ على سبيل المثال ـ تملك تنوُّعًا كبيرًا في المُفردات السِّياحية، من حيثُ العُيونُ المائيَّة، والجبال، والطبيعة والبيئة البحريَّة والتراثيَّة والمناخيَّة، ولكن ـ للأسف ـ هذا التنوُّع ينتظر بفارغ الصبر التطوير والاهتمام والأفكار.
من المُؤكَّد أنَّ ثمَّة ملايين الريالات أنفقها السيَّاح والزَّائرون لمحافظة ظفار من أجْل قضاء أوقات ممتعة، مع الرَّجاء بأنْ تكون هذه الملايين قد دخلت الجيوب العمانية وليس الوافدة، ولكنَّ هذه الملايين يمكن أنْ تكون أضعافًا مع وجود التطوير السِّياحي والمشروعات السِّياحية الضَّخمة التي يرغب فيها السَّائح ويرجوها، وكذلك مع الأسعار التي تكون في متناول الجميع، حيث المغالاة تمثِّل عائقًا كبيرًا في استفادة المحافظة من موسم الخريف. فلا يُعقَل أنْ يرتفع ما قِيمتُه مئةُ بيسة إلى ثلاثمئة أو خمسمئة بيسة، ولا يُعقَل أنْ تدخل مُتنزَّهًا وتدفع من أجْل لُعبة واحدة ريالًا واحدًا ولدقائق أقلَّ من أصابع اليد، وكذلك الحال بالنِّسبة للإيجارات السَّكنية، فإذا كانت هذه الخدمات في مقدور السَّائح، وسهلة ويسيرة سوف تستقطب أعدادًا هائلة ويكون العائد كبيرًا، على عكس المغالاة التي ينفر منها الغالبيَّة، فليس في مقدور الجميع أنْ ينفق ريالًا واحدًا لتوفير لعبة واحدة لطفل واحد لدقائق بسيطة جدًّا، فكيف الحال إذا كان عنده خمسة أطفال مثلًا؟ في حين لو كانت اللعبة الواحدة أو سعر الدخول في متناول الجميع لكان الإقبال كبيرًا والمردود وفيرًا.
أنْ يفتقر القطاع السِّياحي في بلادنا إلى الخدمات والمشروعات التنمويَّة في الوقت الذي تجاهد فيه دول قريبة منَّا من أجْل صناعة سياحيَّة واستقطاب ملايين السَّائحين والزُّوار وتُحوِّل الصَّحراء إلى مزارات سياحيَّة، إنَّه لأمْرٌ يبعث في النَّفْس لوعة، ويُثير الألم، وفي الوقت الذي نبحث فيه عن التنويع الاقتصادي والتنويع في مصادر الدخل، وفي توفير فرص العمل للباحثين عن عمل. نأمُل ألَّا يطول الرجاء والانتظار.