شهدت معظم دول العالم في العقد الأخير سلسلة من التطوُّرات والتحوُّلات أثَّرت على الأداء الاقتصادي، خصوصًا مع انخفاض أسعار النفط، والذي كان له أثر كبير ليس على الدول النفطية وحسب، لكنه طال أيضًا الاقتصادات العالمية الكبرى، حيث انحسرت استثمارات الدول النفطية، وأخذت اقتصاداتها حول العالم في الانكماش، بالإضافة إلى كونها أحد الأسواق الاستهلاكية الكبرى التي لديها فوائض وقوى شرائية كان لها مردود كبير على الحركة التجارية العالمية. وبرغم الجهود الدولية والمحلِّية للتعافي، وسعي العديد من الدول النفطية إلى تنويع مصادر الدخل، جاءت جائحة كورونا "كوفيد19" لتزيد الأوضاع الاقتصادية حرجًا في دول العالم كافَّة، ما دفع العديد من الدول لوضع خطط اقتصادية تسعى إلى التعافي السريع ومواصلة دفع قطار التنمية.
وتُعدُّ السلطنة من الدول التي قرأت المشهد مبكرًا، وقامت خلال السنوات الأخيرة بخطوات واسعة بهدف تعزيز النُّمو الاقتصادي، حيث كان انخفاض أسعار النفط، وبداية حدوث عجز مالي كان بمثابة جرس إنذار، ترتَّب عليه ظهور الإصلاحات الاقتصادية لتقليل الاعتماد على النفط. فقد تبنَّت رُؤى استراتيجية جديدة في تنفيذ إصلاحات هيكلية ومالية واسعة النطاق، عبر خطَّين متوازيين، حيث قامت بالاستفادة القصوى من العوائد النفطية وإقامة بنية أساسية تسعى إلى تحقيق التنويع الاقتصادي، بالإضافة إلى ترشيد الإنفاق بهدف دفع النشاط الاقتصادي، وقامت بمواصلة تنفيذ برامج التصحيح الاقتصادي، كما عملت على كفاءة استخدام الموارد، حيث ركَّزت بشكل أكبر على التدابير والسياسات الهادفة إلى احتواء التأثيرات، كما سعت إلى توفير فرص العمل اللازمة لاستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل، وإحداث خفض ملموس في أعداد الباحثين عن العمل.
وهي خطوات أثبتت فعاليتها على الأصعدة كافَّة، حيث أشارت النشرة الشهرية الصادرة عن وزارة المالية إلى أن إجمالي إيرادات الدولة المحصلة بنهاية يوليو 2021م حققت ارتفاعًا بنسبة 5ر0 بالمئة مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2020م لتبلغ 5 مليارات و2ر214 مليون ريال عماني، كما أكَّدت النشرة أن الإنفاق العام للدولة يواصل الانخفاض مع استمرار الإجراءات الحكومية الرامية إلى ترشيد الإنفاق ورفع كفاءته، حيث بلغ بنهاية يوليو 2021م نحو 6 مليارات و1ر420 مليون ريال عماني مُسجِّلًا انخفاضًا بنسبة 7ر4 بالمئة مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2020م، كما سجَّل العجز في الميزانية العامة للدولة بنهاية يوليو الماضي انخفاضًا بنسبة 2ر22 بالمئة عن العجز الفعلي المُسجَّل في عام 2020م ليبلغ مليارًا و9ر205 مليون ريال عماني، ويأتي هذا الانخفاض نتيجة ارتفاع إيرادات الدولة وانخفاض الإنفاق العام.
تلك مؤشِّرات جميعها تصبُّ في نجاعة الخطوات الاقتصادية الجادَّة التي اتخذتها السلطنة منذ بداية انخفاض الأسعار النفطية في عام 2014، بالإضافة إلى خطوات التعامل مع التراجع الاقتصادي التي شهدته السلطنة والعالم جرَّاء جائحة كورونا في العامين المنصرمين، والتي حققت بتلك الخطوات نتائج مبشرة، تضع الاقتصاد الوطني على الطريق الصحيح لتحقيق معدَّلات نمو متسارعة ومستدامة، وذلك عبر استقرار أوضاع الاقتصاد الكلِّي؛ ليكون قادرًا على تحقيق نُمو احتوائي مستدام ويتميَّز بالتنافسية والتنوُّع في الموارد الاقتصادية، ومن شأن ذلك التنويع أن يُؤسِّس للاقتصاد غير النفطي، والذي سيقلل من التعرُّض للتقلُّبات وعدم اليقين في سوق النفط العالمية، ويساعد على إيجاد وظائف في القطاع الخاص، ويزيد الإنتاجية والنُّمو المستدام.