متابعة ـ فيصل بن سعيد العلوي :
يبزغ نجم الشعر الشعبي في فترته الذهبية خلال السنوات العشر الأخيرة ببهاء لا يطاوله بهاء ، قد تختلف الأفكار والرؤى والوسائل لكنها في الواقع تنشّط الحراك بمختلف أطيافه ومستوياته ، يظهر بعضها فجأة وينطفىء بريقه ولكنها ولا شك أن الأفكار الشعرية التي ابتعدت عن تجارة الشعر كانت هي الركيزة الأساسية لتقديم رؤية إبداعية مغايرة تتدفق منها الصور الشعرية ، والحنكة الإبداعية لتجارب شعراء عهد بعضهم الجمهور ولم يعهد أكثرهم .. فاختزلت هذه الأفكار المسافة والمكان لتقدم نماذج لمبدعين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي إلى الجمهور عبر بيت شعري يحمل فكرة عميقة لصورة تحمل الإبداع ، وعبر شطر يختزل الفكرة والصورة بطريقة ارتجالية لا يترك الزمن لها مساحة للترهل .. بهدف المساهمة في جذب المواهب الشعرية الشابة من الخليج والوطن العربي بأسلوب عصري من خلال استخدام الوسيلة الاجتماعية "تويتر" .. فمن هنا أسست ركائز البيت لتقدم واجهة شعرية تجعل الإبداع أهم أهدافها .. فكان "البيت" ..

"البيت" .. مسابقة تلفزيونية شعرية فريدة من نوعها تقام للعام الثاني على التوالي وهي أحدث مشاريع مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث ، وتقوم فكرة المسابقة على طرح شطر "صدر" أو "عجز" من الشعر الشعبي يحمل معناه قدرا من الغموض ويتعين على المشتركين إكمال هذا الشطر الآخر من خلال تغريدة عبر موقع "تويتر" لا يتجاوز عدد حروفها 140 حرفا ، بعد إكمال التسجيل على الموقع الالكتروني. فـ "البيت" برنامج أسبوعي يبث يوم الإثنين على قناة سما دبي في الساعة التاسعة مساءً وحتى العاشرة والنصف ، ويبدأ إرسال المشاركات الساعة الخامسة مساءً من يوم العرض وتمتد مدة المشاركة حتى الساعة السابعة مساءً وتقوم لجنة خاصة بفرز جميع المشاركات وإرسالها إلى لجنة التحكيم التي تضم أربعة من عمالقة الشعر الشعبي وهم الشعراء نايف الرشيدي، ومدغم بو شيبه، وزايد بن كروز ومحمد المر بالعبد المهيري. وتقوم لجنة التحكيم باختيار فائز لكل حلقة حيث يحصل الفائز على جائزة مادية مُعلنة ، ويتأهل الفائزون من كل أسبوع إلى الحلقة الأخيرة في (أسبوع 13) لفرصة ربح الجائزة الكبرى إضافة إلى فائز يتم اختياره من ضيف الحلقة كل أسبوع، كما يتضمن البرنامج مسابقة أخرى عبر "تويتر" حيث سيتم عرض صورة من عدسة الشيخ حمدان بن محمد للمشاهدين على الهواء مباشرة ويتعين عليهم أن يستوحوا بيت شعر وإرساله إلى حساب تويتر الخاص بالمسابقة وينتهي استقبال المشاركات خلال أربعة أيام من عرض الصورة (منتصف يوم الجمعة) حيث يحصل الفائزون على جوائز مادية معُلنة في البرنامج ، وتضم لجنة التحكيم كلا من الشعراء عوض بن حاسوم الدرمكي من دولة الإمارات العربية المتحدة ، والشاعر حمد الخروصي من السلطنة ، والشاعر سعد بن هندي من دولة الكويت.

مشاركة عمانية
يشارك في هذه الدورة من البرنامج من السلطنة الشاعر والناقد حمد الخروصي كعضو لجنة تحكيم في مسابقة "نبض الصورة" ، كما تشارك الشاعرة هلالة الحمدانية كمذيعة في إحدى فقرات البرنامج ، واستضاف البرنامج في حلقته الثانية الشاعر خميس المقيمي ، كما فاز في الحلقة الثالثة الشاعر حمود المخيني بجائزة "نبض الصورة" . حيث يقول الشاعر حمد الخروصي : تشرفت بأن أكون أحد أفراد هذا البيت الذي يقدم للساحة الشعرية نموذجا للإبداع منذ دورته الأولى ، وبرنامج البيت في موسمه الثاني يؤكد تعميق مسالة النظر الشعري من زوايا مختلفة ، وأتوقع ان تساهم مسابقة نبض الصورة في المدى القريب في ارتقاء ذائقة المتلقي وارتفاع مستوى الشعراء في كتابة الابداعات الشعرية ، فالشاعر في حقيقته يجب ان يكون مجنونا مع اللغة والفكرة وإعادة ترتيب الصورة ، فالجنون هو جوهر الشعر ، وأنا كعضو لجنة تحكيم تنتابني لحظات من الصعوبة وهي لحظة استبعاد بيت شعري ، ولكن دائما ما انتصر للجمال والجنون.

الشاعرة المذيعة
أما الشاعرة هلالة الحمدانية فعبرت عن سعادتها بالانضمام لطاقم البرنامج وقالت انا سعيدة جدا بأن اكون ضمن طاقم برنامج البيت مع الاسرة الكبيرة التي ابدعت في الموسم الاول واتمنى ان اكون اضافة لهذا البرنامج الجميل جدا ، فبرنامج البيت يجمع نخبة من الشعراء من الخليج ، ويجمعهم على ذلك نخبة النخبة من الأبيات الشعرية المشاركة ، وانا سعيدة بدعم اسرتي وأقربائي الذين يمنحوني الدافع لتقديم الشيء الجميل دائما.وتضيف "الحمدانية" : يجب ان تتوافر مواصفات مهمة للقب راعي البيت وهو التميز في المفردة الشعرية والابتكار والإتيان بشيء جديد.

الفائز من السلطنة
ويعبر الشاعر حمود المخيني عن سعادته كونه أحد المشاركين الدائمين في البرنامج، ولأن أبياته المشاركة وصلت إلى الشاشة الذهبية مرتين، كما يعبر عن سعادته كونه احد الذين حالفهم الحظ وفازوا بجوائز البرنامج. ويقول الشاعر حمد المخيني عن فكرة البرنامج: برنامج البيت تفرّد كفكرة، وتميّز كمضمون، وتألق بالأسماء القائمة عليه، حيث جاءت فكرة البرنامج مستغلةً برامج التواصل الاجتماعي، ومعتمدة على التقنية الحديثة، من خلال إكمال البيت بشطر واحد يُختزل فيه الابداع، ويُصاغ بصورة دقيقة ليكتمل البيت والمعنى. كما جاء مضمون هذه الفكرة في الوصول للشعراء وهم في أماكنهم وبيوتهم، انطلافا من مقولة: "في كل بيت شاعر". أما بالنسبة للأسماء الشعرية القائمة عليه، فيكفي ان يكون على رأسها الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم.
ويضيف "المخيني" : ساهمت فكرة برنامج البيت بشكل كبير في جعل الشعراء يختزلون ابداعهم في شطر واحد أو بيت واحد، وهذا ما سينعكس على القصيدة ككتلة واحدة عندما يكتبها الشاعر ويصب جلّ اهتمامه على البيت الواحد.
والجميل في فكرة برنامج البيت أنّها تثير اهتمام المشاهد وان لم يكن شاعرا، فالمشاهد عندما يقرأ الصورة بعفويته ونظرته الاولى، ومن ثم يقرأ الابيات التي تحدثت عن الصورة تزداد حاسة تذوقه الشعرية فيحاول قراءة الصورة بشكل مختلف وبعد آخر.
وعن تجربتي شخصيا، شاركت في الموسم الأول للبرنامج ولكن لم يحالفني التوفيق ولم أتأهل حتى للشاشة الذهبية، أما في الموسم الحالي، فقد تأهلت للشاشة الفضية في نبض الصورة ومن ثم للشاشة الذهبية ولكن لم أكن من ضمن الثلاثة الفائزين، وهذا ما دفعني للمشاركة في الحلقة التالية التي كانت احتفالا باليوم الوطني في دولة الامارات، وتأهلت ضمن ال12 بيتا في نبض الصورة وتشرفت بتكريمي ضمن ال12 الذين كرّمهم الشيخ حمدان بن محمد ، فبرنامج البيت، طرق أبواب الشعراء وهم في بيوتهم، ليبحث عن ابداعاتهم ويكرمهم عليها.
وحول مسابقة الشطر ومسابقة نبض الصورة يقول "المخيني" : تعتمد فكرة البرنامج على مسابقتين، مسابقة الشطر ومسابقة نبض الصورة. وأنا شخصيا أميل أكثر لمسابقة نبض الصورة فهي مقياس أدق للابداع والشاعرية، ولطالما انبهرت من مشاركات الشعراء في نبض الصورة منذ الموسم الأول، الا أن الموسم الحالي تفوّق أكثر من ناحية التقاط الصورة الشعرية، والنظر للابعاد الاخرى في الصورة والتأمل فيها بعين الشاعر وليس بعين المشاهد العادي.
وحول أهمية البرنامج في خدمة الساحة الشعرية يقول "المخيني" : إن فكرة برنامج البيت، خدمت الساحة الشعرية الخليجية بشكل كبير، فساعدت على بروز اسماء مبدعة إلا أنّها بعيدة عن الساحة الشعرية، كما ساهمت في ارساء نظرة جديدة مختلفة لمسابقات الشعر تعتمد على البساطة ومتاحة للجميع ليتنافس عليها. كما ساهمت بشكل أو بآخر على تشجيع الشعراء على الابتكار والابداع.
وحول وصول "البيت" إلى الوسط الشعري في السلطنة يقول الشاعر حمود المخيني: لقد وصلت أصداء برنامج البيت في السلطنة بحكم اهتمام شعراء السلطنة بالشعر ومستجداته، والشاعر العماني يشارك اسبوعيا في البرنامج بمشاركات جميلة، وصل البعض منها الى الشاشة الذهبية، ولم يحالف بعضها التوفيق، إلا أنني ألاحظ في كل اثنين مشاركات كثيرة بأسماء عمانية، ولعل أبرز حدث في البرنامج بالنسبة لنا كشعراء عمانيين هو انضمام الشاعر حمد الخروصي في لجنة الصورة، هذا ما أعطى الساحة العمانية ثقة أكبر بأسمائها.

التاريخ عبر الشعر
ويأتي إطلاق النسخة الثانية من برنامج "البيت" في إطار رؤية تعزيز الإرث الثقافي والحضاري وتكريس التواصل بين الماضي والحاضر عبر بوابة الشعر ، ويستند برنامج البيت إلى رصيد قوي من النجاح الذي جرى تحقيقه في النسخة الأولى من البرنامج، فهو يحاكي أهمية الشعر الشعبي في حياة أبناء المنطقة ، كونه من الروافد التاريخية التي تتناقلها الأجيال منذ مئات السنين ويرتبط بعلاقة وثيقة بهوية أبناء المنطقة وإرثها الحضاري الأصيل.
من جانبه، قال سعادة عبد الله حمدان بن دلموك الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث: "نحن فخورون بإطلاق الدورة الثانية من برنامج “البيت”، المصمم للارتقاء بالمبادرات الأدبية والشعرية التراثية والدور الذي يلعبه في مد جسور التواصل بين ماضي الأمة وحاضرها واستقطاب فئة الشباب وتحفيزهم على استكشاف إرثهم الحضاري ".

الشاعر الضيف
وقال ماجد عبد الرحمن البستكي المنسق العام لبرنامج البيت: "أضفنا بعض التغييرات على النسخة الثانية من البرنامج بهدف تقديمه بحلة جديدة تعكس تطلعات الجمهور حيث ستشهد كل حلقة استضافة شاعر من كبار شعراء الخليج كضيف شرف تناط إليه مسؤولية اختيار الفائز في حال التعادل بين أصوات لجنة التحكيم".

حضور نسائي
من جهتها دعت فاطمة البناي مديرة المكتب الإعلامي في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث العنصر النسائي إلى تفعيل المزيد من المشاركات، متمنيةً ظهور المزيد من الإبداعات النسائية في الشعر الشعبي ، وقالت "البناي" : نقوم بإيفاد عدد من الإعلاميين بشكل اسبوعي في البرنامج من مختلف الوسائل الإعلامية لدول مجلس التعاون ، كما نسعى إلى إيصال صوت برنامج البيت ليكون حاضرا في قلوب كل الشعراء في ارجاء المعمورة ، حيث قمنا بالتعاون مع تويتر الأم لصياغة برنامج مخصص لهذه المسابقة وبالتالي نحن نعمل وفق ضوابط فنية على أعلى المستويات والمعايير.

يُذكر أن النسخة الثانية من برنامج البيت خضعت للعديد من عمليات التحضير والاستعداد، وذلك استناداً إلى دراسة متأنية لكل حلقات النسخة الأولى بما يجعل النسخة الحالية تظهر على أكمل وجه، فهو عمل يتمتع بشعبية كاسحة في مختلف أوساط أبناء الخليج، وقد أظهرت النسخة الأولى الكم الكبير من تفاعل الشباب مع الشعر الشعبي الأصيل والذي يعكس هوية وأصالة أبناء المنطقة وإرثها العريق.