نجوى عبداللطيف جناحي :
نعم سأهذي اليوم!!! لأنكم أيها القرَّاء الأعزَّاء كثيرا ما تفاعلتم مع كلماتي التي تفيض بها نفسي، وسطوري التي تعكس اهتماماتي الفكرية والعلمية.
نعم سأهذي اليوم!!! لأبوح لكم بآلام يعجز قلبي عن حملها، وهموم تفيض من خاطري كبُركان يأبى أن يكتم حممه فيثور ليشهد العالم ثورته، ولينثر مكنونه عشوائيا حوله. فاقبلوا مني هذياني العشوائي، فأنتم خير من ينصت لكلماتي ويُسمعني صداها.
أنا في حيرة!!! أعالم الغاب أنقى وأطهر من عالم الإنس؟! من يجيب عن سؤالي؟!!
أنا في حيرة من أمري!!! أقوانين مجتمع الغاب أرحم بأهلها من قوانين المجتمع البشري؟!!! لعلي بدأت في الهذيان!!!
أسمعتم بحمار يتزوج من حمار مثله؟!! أو أتان تنكح أتانا مثلها؟؟! هم يميزون بين الذكر والأنثى، فالأمر بينهم واضح جلي لا يقبل الجدل!!! لكننا سمعنا في المجتمع البشري برجال ينكحون الرجال، ونساء ينكحن مثيلاتهن، سمعنا بأناس يحارون في أنفسهم أهم ذكور أم إناث، حتى بات التمييز بين الذكر والأنثى فوق قدراتهم العقلية!!! أيتحول الشذوذ عن القاعدة إلى قاعدة؟!!! أيتحول الاستثناء غير المقبول إلى أمر معقول؟!! بالله عليكم أعالم الغاب أنقى أم عالم الإنس؟! أرأيت في هذا هذيانا أيها الفطن اللبيب؟؟!!
أسمعتم في عالم الغاب بثور يأكل نبتة أو ثمرا يخمر عقله، فيغيبه ليهلوس ويهلوس ويترنح فيأتي بتصرفات تخرجه عن كيانه الطبيعي، فيزدريه كل من حوله، لكنه يعاود ليأكل أو ليشرب ما يخمر عقله ويذلل بسلوكه؟؟!! لكننا سمعنا في عالم الإنس برجال ونساء يتناولون ما يخمر عقولهم، فيترنحون ويهلوسون ويتصرفون تصرفات عشوائية، فعقولهم عاجزة عن ضبط تصرفاتهم وكأن تلك العقول قد شلت، بالله عليكم أعالم الغاب أفضل أم عالم الإنس؟؟!! لعلَّ هذه المقارنة مجرد هذيان!!!
في عالم الغاب تجدون الثعلب يطارد فريسته، فإذا ما شبع مرَّت الغزالة أمامه تتهادى آمنة مطمئنة، فذاك الثعلب لا يريق الدماء إلا بالقدر الضروري، وفي عالم الغاب لم نجد مذابح وقتلى ودماء تروي الأراضي حتى تخضبها باللون الأحمر. ويا لوعتي من عالم الإنس؛ فمذابح تقام ودماء أبرياء تهدر، ويقتل القتيل ولا يعلم لِمَ قُتل؟ فمشاهد المذابح تتوالى فتبدأ الأخرى قبل أن تنتهي الأولى، ومخالب الإنس منبرية لا تفرق بين صغير أو كبير، ضعيف أو قوي، بريء أو جانٍ، مخالب منبرية تعمل رأسها في أجساد البشر بلا غاية ولا هدف. أصدقوني القول!!! أعالم الغاب أكثر أمنا من عالم الإنس؟! بالله عليكم أفيدوني، فلعلَّي أفيق من هذياني هذا!!!!
أنُسمِّي بعض الحيوانات وحوشا أم أننا أكثر توحشا منهم؟! من يبرد حيرتي؟!
أسمعتم في عالم الغاب عن ذئب يأكل لحم ذئب؟! لا أظن ذلك، فهو بريء من هذه التهمة، ولكن في عالم الإنس يأكل بعضنا بعضا عيانا، أيأمن الذئب لأخيه الذئب، ولا يأمن الإنسان أخيه الإنسان، أعالم الغاب أكثر أمنا من عالم الإنسان؟؟!! لست أدري!! أتراني أهذي؟!
في عالم الغاب القوانين تسري في كُلِّ زمان ومكان، هي ثابتة لا تتغير منذ عهود وعهود، ويتخبط البشر في قوانينهم، ويتقاتلون دفاعا عنها، قوانين متقلبة متأرجحة يحار فيها العقل!!! منذ القدم والإنسان يتتلمذ على أيدي مخلوقات الغابة، فكلما تعمق في دراسة سلوكها ازداد يقينا بجهله، وأنه فعلا لم يُؤتَ من العلم إلا قليلا. فالدرس الأول عندما تعلم هابيل من الغراب كيف يواري سوءة أخيه، وما زالت الدروس تتوالى منذ عهد غراب قابيل وهابيل، ويحي ما زلنا تلامذة في هذه المدرسة لم نتخرج بعد كطالب لا يكترث بالتحصيل!!!
للغابة قانون يحكمها لا تنفلت الحيوانات منه، فالقِيَم والمبادئ، وربما الأنظمة الاجتماعية نفسها في المجتمع البشري يعبث فيها الإنسان، فيعليها تارة، ويحتقرها تارة، فتغيب الضوابط الاجتماعية ليكون مجتمعا ذا أمواج عاصفة تعلو تارة وتنخفض تارة، وتزداد المشكلة تعقيدا عندما يتعالى الإنسان فيرفض أن يتعلم المزيد من عالم الغاب. فلعلَّ الغيث على يد المصلحين الاجتماعيين الذين يحيون القِيَم الإنسانية ويدعون للحفاظ على ثوابت المجتمع من دين، وأخلاق، ولغة، ليعيدوا للمجتمع الإنساني إنسانيته، أرأيت في هذا القول هذيانا أيها الفطن اللبيب؟؟!!