علي بدوان:
في مسار التهديدات "الإسرائيلية" ضد القطاع التي يطلقها بعض صنَّاع القرار في "إسرائيل"، وفي دور التصدِّي الفلسطيني للعدوان الأخير والشامل على قطاع غزة، برز دور الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، الذي انضم إلى تلك المعركة المُمتدة من القطاع إلى الضفة الغربية، ومواجهة حواجز جيش الاحتلال المنتشرة في الضفة الغربية، إلى مدينة القدس ومختلف أحيائها وضواحيها، والتي استهدفتها مجموعات المستوطنين وجيش الاحتلال، وخصوصًا في حيي الشيخ جراح وباب العمود. واستطاع أبناء الشعب العربي الفلسطيني حماية المدينة وصونها، والدفاع عن الأقصى في مواجهة فلول المستوطنين الذين هربوا من المواجهات باتجاه المستعمرات المحيطة بمدينة القدس.
ما حصل، في أكثر من مكان في فلسطين أثناء الحرب على القطاع، كان عبار عن (بروفة) أو (تجربة ساخنة) في المواجهة، وهو ما بات يُرعب دولة الاحتلال "الإسرائيلي"، وعلى الأخص مع مشاركة فلسطينيي الداخل في المناطق المحتلة عام 1948 في اللد والرملة وأم الفحم و(كفر قرع) وصولًا لمدينة حيفا، وهي التي تُسميها دولة الاحتلال بـ"المدن المختلطة"، حين اندلعت المواجهات، بالوسائل الكفاحية المُمكنة والمتوافرة بيد الفلسطينيين، في مواجهة (الشرطة) والجيش في "إسرائيل"، ومعهم مجموعات المستوطنين.
فالمدن المختلطة، التي يسكنها يهود وعرب، كانت الاحتكاكات فيها أشد صعوبة، حيث قاد المستوطنون المسلحون، الذين قدموا إليها من الضفة الغربية هجمات عنيفة، كانت دموية أحيانًا، على المواطنين العرب في المدن المختلطة، وأبرزها مدن: اللد والرملة وحيفا ويافا وعكا... وقد صمد المواطنون العرب وواجهوا المعتدين، وتضامنوا بالفعل والعمل مع الضفة الغربية والقطاع والقدس، وأطلقت "الشرطة الإسرائيلية" في حينها حملة اعتقالات طالت المئات من المواطنين العرب، الذين اتهمتهم بالمشاركة في الاحتجاجات التي شهدتها المدن والبلدات العربية خلال معركة قطاع غزة الأخيرة.
وبحسب موقع "واللا" الإلكتروني "الإسرائيلي"، ونقلًا عن موقع (عرب 48) فإنه خلال دور المواطنين العرب في المدن المختلطة في التصدِّي لاعتداءات المستوطنين المدعومين من عناصر الأمن بالتزامن مع الاعتداءات على مدينة القدس وضواحيها، والعدوان على قطاع غزة، تلقت "شرطة الاحتلال" 153 ألف بلاغ على خط الطوارئ التابع للشرطة، وتعاملت الشرطة مع 36 ألفًا و500 "حادثة"، وهو رقم يزيد بنحو 40% عن الحالات التي تتعامل معها في أيام الأسبوع العادية. وبعد اعتداءات المستوطنين في اللد واستشهاد الشاب موسى حسونة في 11 أيار/ مايو 2021 الماضي، بدأت شرطة الاحتلال بنشر تعزيزات من أفرادها المدججين بالسلاح في شوارع المدن المختلطة، تحسبًا من الفترات القريبة القادمة.
إن الهلع "الإسرائيلي" من أي مواجهة قادمة في عموم فلسطين، يعود للفزاعة "الإسرائيلية" من انهيار نظريات "الأسرلة" للشعب العربي الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1948، فـ"الأسرلة" انتهت تمامًا وسقطت بشكلٍ مريع، وبالتالي فالخشية عند صنَّاع القرار في دولة الاحتلال "الإسرائيلي"، من الدور القادم لفلسطينيي الداخل في أي معركة مع الاحتلال، معركة تخاض بالأشكال والأنماط المُمكنة، وهذا الأمر ليس سببه وجود عوامل قوة بيد الفلسطينيين، بل وجود نحو نصف الشعب العربي الفلسطيني في الداخل، وتمسكه وثباته فوق أرض وطنه التاريخي، ودحره لنظرية "الأسرلة". وبالتالي فإن أي مواجهة قادمة ومساهمة لفلسطينيي الداخل فيها، لن تكون سوى مسألة وقت، بل قد تكون الـ"الأعنف"، حسب تهديدات قادة جيش الاحتلال ومنهم الجنرال (آفيف كوخافي) رئيس الأركان، وحتى رئيس الحكومة الحالي (نفتالي بينيت)، وسيكون عندها من الصعب احتوائها بسهولة.
إن فلسطينيي الداخل جزء أساسي لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني، لا يُمكن اقتطاعهم وتصنيفهم باعتبارهم خارج المكوِّن الفلسطيني، ولا يمكن تحييدهم عن مسار العملية الوطنية الفلسطينية. إنهم ومعهم فلسطينيو القدس والضفة الغربية والقطاع والشتات (سوريا + لبنان + الأردن)، يُشكلون المجموع العام للشعب الفلسطيني على أرض فلسطين والشتات.